للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو كالماخض الذي اعتادها الطل‍ ... ق فقرت وما يقر قراره

لكم الأرض كلها فأعيروا ... عبدكم ما احتوى عليه جداره

وشرط مرة لطبيب تولى ابنه أجرة معلومة، فلما برئ الولد .. قال: والله؛ ما عندي شيء، ولكن تقدم إلى القاضي، وادع على فلان اليهودي-وكان ذا مال كثير-بقدر الأجرة، وأنا وولدي نشهد لك بها، فتقدم الطبيب إلى القاضي-وهو يومئذ محمد بن أبي ليلى، وقيل: شبرمة-وادعى على اليهودي بالمبلغ المذكور، فأنكر اليهودي، فقال: لي عليه بينة، وخرج لإحضارها، فأحضر أبا دلامة وابنه، فلما دخلا المجلس .. خاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية، فأنشد قبل دخوله إلى القاضي بحيث يسمع القاضي: [من الطويل]

إن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث

وإن نبثوا بئري نبثت بئارهم ... ليعلم قوم كيف تلك النبائث

ثم حضرا بين يدي القاضي وشهدا، فقال القاضي كلامك مسموع وشهادتك مقبولة، ثم غرم القاضي المبلغ من عنده، وأطلق اليهودي، ولم يمكنه رد شهادته؛ خوفا من لسانه، وجمع بين المصلحتين بتحمل الغرم من ماله.

وخرج روح بن حاتم المهلبي والي البصرة لحرب الجيوش الخراسانية ومعه أبو دلامة، فخرج من صف العدو مبارز، فخرج إليه جماعة واحدا بعد واحد فقتلهم جميعهم، فأمر روح أبا دلامة بمبارزته، فاستعفى فلم يعفه، فأنشد: [من البسيط]

إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فيخزى بي بنو أسد

إن المهلب حب الموت أورثكم ... ولم أرث قط حب الموت من أحد

إن الدنو إلى الأعداء أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد

فلم يعذره روح وألح عليه في المبارزة، فبرز بين الصفين ملبسا على جواده، فخرج إليه الرجل ليبارزه، فتلطف له أبو دلامة وحادثه وصاحبه، ثم برزا عن الصفين جميعا وأبعدا وأكلا وشربا وطربا، فلم يزل أبو دلامة يخادع الرجل، ويتدرك له بالأمان والإحسان من روح إذا قابله حتى أتى به إلى روح، فأمنه روح وأكرمه، فخرج الرجل وقاتل أصحابه الخراسانيين، فكان ذلك أكبر أسباب ظفر روح.

توفي أبو دلامة في سنة إحدى وستين ومائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>