فأعجب سيده عقله، فقال لأمها: والله؛ ما لها زوج غيره، فزوجها منه، فجاءت بالدرة الفاخرة، المشتملة على المحاسن الباطنة والظاهرة.
وقد تتبع أصحابه ما ظهر لهم من مناقبه فبلغت خمسا وعشرين؛ من العلم، والصلاح، والكرم، والشجاعة في سبيل الله، وحسن الخلق، والعبادة، والنجابة، والفصاحة، وحسن اللفظ في النثر والنظم وغير ذلك.
فمن شجاعته وصلاح سريرته: ما روي أنه خرج مرة في بعض الغزوات-وأظنه في أيام الرشيد-فبرز علج، ودعا المسلمين إلى المبارزة، فخرج إليه جماعة من المسلمين واحدا بعد واحد، فقتلهم جميعهم، فبرز عن الصفين في طلب المبارزة، فأحجم الناس عن مبارزته، حتى صاح: معاشر المسلمين؛ تزعمون أن قتلاكم في الجنة، كذبتم، لو كان كذلك .. ما تخلفتم عن مبارزتي، فطلب الرشيد من جماعة قواده وأبطال جنده مبارزته، فلم يجبه أحد .. إذ برز من صف المسلمين فارس ملبس ملتثم، لا يرى منه إلا عينيه، فتجاول هو والعلج ساعة، ثم قتل العلج، وأسرع الكرة إلى صف المسلمين، فانغمس بينهم، ولم يعرفه أحد، حتى قيل: إنما هو الخضر حضر القتال، أو أحد من الملائكة؛ كانت تقاتل مع المسلمين، وبذل الرشيد لمن يدله على الرجل؛ لينعم عليه بالعطايا السنية، فلم يجد من يخبره به، فاتفق أن بعض أصحاب عبد الله بن المبارك دخل إلى مضرب عبد الله -للسلام-على غفلة، فوجده ينزع لباس الحديد عنه مسرعا فقال: أمير المؤمنين بذل الرغائب لمن دله على قاتل العلج، وهو أنت يا إمام؟ ! فقال: من عمل له يعلم قاتله، ولا حاجة له إلى علم هارون الرشيد.
ومن كرمه وشفقته على إخوانه وحسن صحبته: ما اشتهر عنه أنه كان إذا أراد الحج ..
يأتيه إخوانه، ويكلمونه في الصحبة، فينعم لهم، ويأخذ منهم ما أعدوه من النفقة، ويكتب على كل نفقة اسم صاحبها، ويقفل على الجميع في صندوق، ثم يحج بهم، وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أطيب الأطعمة، ويشتري لهم الهدية من الحرمين، فإذا وصل إلى الوطن ..
صنع طعاما نفيسا كثيرا، فيه نحو خمسة وعشرين جفنة من الفالوذج-وهو نوع من الحلوى- فضلا عن غيره، ثم يدعوهم ويدعو من سائر الفقراء والصالحين، فإذا أكلوا .. كسا الذين حجوا معه لباسا جديدا، ثم فتح الصندوق ورد إلى كل منهم نفقته التي عليها اسمه.
وأما علومه: فقد كان الإمام المقدّم في الحديث، وله مصنفات كثيرة، سمع معمر بن