قال بشر بن الوليد الكندي: قال لي القاضي أبو يوسف: دعاني الرشيد ليلا فراعني ذلك، فدخلت عليه وعنده عيسى بن جعفر، فسلمت، فرد وقال: أظننا روعناك، فقلت: إي والله وكذلك من خلفي، فقال: اجلس، فجلست حتى سكن روعي، فقال:
إن عند هذا جارية، وامتنع من بيعها أو هبتها لي، وزعم أن عليه يمينا بالعتاق، وصدقة ما يملك ألا يبيعها ولا يهبها، فهل في ذلك مخرج؟ قلت: نعم يهب لك نصفها، ويبيعك نصفها، فيكون لم يهبها ولم يبعها، قال عيسى: أفيجوز ذلك؟ قلت: نعم، قال:
فأشهدك أني قد وهبت له نصفها، وبعته نصفها الباقي بمائة ألف دينار، ثم أحضرت الجارية والمال، فقال الرشيد: يا يعقوب؛ بقيت واحدة هي مملوكة ولا بد أن تستبرأ، ولا أقدر أصبر عنها ليلتي هذه، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ تعتقها وتزوّجها؛ فإن الحرة لا تستبرأ، قال: قد أعتقتها، فمن يزوجنيها؟ قلت: أنا، فدعا بمسرور وحسين، فخطبت ثم زوجته إياها على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها، ثم قال: انصرف يا يعقوب، ثم قال لمسرور: احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم، وكذا وكذا من الثياب، فحمل ذلك معي، قال بشر بن الوليد: فالتفت إليّ أبو يوسف وقال: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت: لا، فأعطاني عشر المال، فشكرته ودعوت له، وذهبت لأقوم .. فإذا بعجوز دخلت فقالت: يا أبا يوسف؛ إن بنتك تقرئك السلام وتقول: والله؛ ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلفت الباقي لما أحتاج إليه، فقال: رديه، لا أقبله، أخرجتها من الرق، وزوجتها بأمير المؤمنين، وترضى لي بهذا؟ قال بشر: فلم نزل نتلطف به أنا وعمومتي حتى قبلها، وأمر لي منها بألف دينار.
قال يحيى بن معين: كنت عند أبي يوسف القاضي وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم، فوافته هدية أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي، وشرب، وطيب وغير ذلك، فذاكرني رجل حديث:«من أتته هدية وعنده قوم جلوس .. فهم شركاؤه فيها»(١) فسمعها أبو يوسف فقال: أبي تعرّض؟ إنما قاله صلّى الله عليه وسلم والهدايا يومئذ الأقط والتمر والزبيب، ولم تكن الهدايا ما ترون، يا غلام؛ أشله إلى الخزائن.
قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يصلي بعد ما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة.