له: ضع يدك على رأسي واحلف به، ففعل ذلك، فلما استوثق منه بالأيمان .. قال: هذا فلان ابن فلان-لرجل من العلوية-أحب أن تكفيني مؤنته، وتريحني منه؛ يعني: بقتله، وأمر بتحويل الجارية وما في المجلس من الأثاث والمال المذكور إليه، فاشتد سروره بالجارية، وجعلها عنده في مجلسه، فقال له العلوي: ويحك يا يعقوب؛ تلقى الله بدم رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له يعقوب: خذ المال وخذ أي طريق شئت، فقال: طريق كذا آمن لي، فقال: امض مصاحبا بالسلامة، والجارية تسمع ذلك، فوجهت بعض خدمها إلى المهدي تعلمه بذلك، وقالت: هذا جزاء من آثرته بي على نفسك، فوجه المهدي في تلك الطريق من لحق العلوي، فرده إليه وجعله في مجلس، ثم دعا يعقوب بن داود وقال له: ما فعل الرجل؟ فقال: أراح الله أمير المؤمنين منه، قال: مات؟ قال: نعم، فحلفه على ذلك، فحلف وأقسم برأسه، فقال المهدي:
يا غلام؛ أخرج إلينا من في هذا البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه، فبقي يعقوب متحيرا لا يدري ما يقول، فقال له المهدي: لقد حل دمك، ولو أردت إراقته .. لأرقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه، وأمر بأن يطوى خبره عن كل أحد، فأقام فيه سنتين وشهورا في أيام المهدي وأيام الهادي جميعها، ثم شفع فيه يحيى بن خالد البرمكي، فأخرجه الرشيد، وقد ذهب بصره، فأحسن إليه، ورد عليه ماله، وخيره المقام حيث أراد، فاختار مكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات في سنة سبع وثمانين ومائة (١).
ويروى: أن المهدي حبسه في بئر وبنى عليه قبة، فمكث في البئر خمس عشرة سنة، وكان يدلّى إليه كل يوم رغيف وكوز ماء، ويؤذن بأوقات الصلاة، قال: فلما كان في رأس ثلاث عشرة سنة .. أتاني آت في منامي فقال:[من البسيط]
حنى على يوسف ربّ فأخرجه ... من قعر جبّ وبيت حوله غمم
قال: فحمدت الله تعالى وقلت: أتاني الفرج، ثم مكثت حولا لا أرى شيئا، فأتاني على رأس الحول ذلك الآتي وقال:[من الطويل]
عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر
قال: ثم أقمت حولا آخر، ثم أتاني ذلك الآتي فقال:[من الوافر]
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
(١) في معظم المصادر عدا «مرآة الجنان» أنه توفي سنة (١٨٢ هـ).