حتى أناخ بفنائه، ونال مراده وفي ذلك يقول أبو العتاهية:[من الوافر]
ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفق للصواب
غدا هارون يرعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها قطع السحاب (١)
وفي المحرم من السنة المذكورة: سخط الرشيد على البرامكة بعد تمكنهم الشديد منه، وعلو مرتبتهم عنده، فقتل جعفر بن يحيى بن خالد بالأنبار بموضع يقال له: العمر، وأرسل بجثته إلى بغداد، فنصب نصفها الأعلى على الجسر الأعلى، ونصفها الأسفل على الجسر الأسفل، وحبس أخاه الفضل بن يحيى وأباهما يحيى بن خالد.
واختلف في سبب غضبه على البرامكة:
فقيل: حمل العباسة أخت الرشيد من زوجها جعفر المذكور، وذلك: أن الرشيد كان يحب أخته العباسة وجعفر بن يحيى حبا شديدا، ولا يتم سروره إلا باجتماعهما عنده، فزوجها منه؛ ليحل له النظر إليها والاجتماع بها، وشرط عليه ألاّ يقربها البتة، فأحبت العباسة جعفرا، وراودته على الاجتماع بها، فأبى وخاف، وكانت عبادة أم جعفر ترسل إليه كل ليلة جمعة جارية بكرا، فقالت العباسة لأم جعفر: أرسليني إلى جعفر كأني جارية من جواريك التي ترسلين إليه، فامتنعت أم جعفر، فقالت: لئن لم تفعلي .. لأذكرن لأخي أنك خاطبتني بكيت وكيت، ولئن اشتملت من ابنك على ولد .. ليكونن لكم الشرف، وما عسى يفعل أخي إذا علم أمرنا؟ فأجابتها أم جعفر، وجعلت تعد ابنها أنها ستهدي إليه جارية بارعة الحسن والجمال، وهو يطالبها بالوعد المرة بعد الأخرى، فلما علمت أنه قد اشتاق إلى ذلك .. أرسلت إلى العباسة أن تهيئي الليلة، ففعلت، وأدخلت على جعفر، وكان لا يثبت صورتها؛ لأنه كان عند الرشيد لا يرفع طرفه إليها مخافة، فلما قضى وطره منها .. قالت له: كيف رأيت خديعة بنات الملوك؟ فقال: وأي بنت ملك أنت؟ قالت:
أنا مولاتك العباسة، فطاش عقله وقال لأمه: بعتيني والله رخيصا، وحبلت العباسة منه، وجاءت بولد، فوكلت به غلاما اسمه: رياش، وجارية اسمها: برة، ولما خافت ظهور الأمر .. بعثتهم إلى مكة.
(١) «تاريخ الطبري» (٨/ ٣٠٧)، و «المنتظم» (٥/ ٥٠٤)، و «الكامل في التاريخ» (٥/ ٣٥٨)، و «تاريخ الإسلام» (١٢/ ٣٣)، و «مرآة الجنان» (١/ ٤٠٣)، و «البداية والنهاية» (١٠/ ٦٢٥)، و «شذرات الذهب» (٢/ ٣٩٠).