يغفر الله لك، لقد بعد ظنك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا يكون أبدا ولو عدت في كل يوم مائة مرة.
قالوا: وسأل المأمون اليزيدي عن شيء فقال: لا، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، فقال: لله درك! ما وضعت قطّ واو موضعا أحسن من موضعها في لفظك.
قال اليزيدي: دخلت على المأمون يوما والدنيا غضة، وعنده نعم تغنّيه، وكانت من أجمل أهل دهرها: [من الكامل]
وزعمت أني ظالم فهجرتني ... ورميت في قلبي بسهم نافذ
فنعم هجرتك فاغفري وتجاوزي ... هذا مقام المستجير العائذ
ولقد أخذتم من فؤادي أنسه ... لا شلّ ربي كفّ ذاك الآخذ
واستعادها المأمون الصوت ثلاث مرات، ثم قال: يا يزيدي؛ أيكون شيء أحسن مما نحن فيه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: وما هو؟ قلت: الشكر لمن خولك هذا الإنعام العظيم، فقال: أحسنت وصدقت، ووصلني، وأمر بمائة ألف يتصدق بها.
وحكي أنه وقع بين اليزيدي والكسائي تنازع في هذا البيت: [من مجزوء الرمل]
لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر
فقال الكسائي: مهر الثاني منصوب على أنه خبر كان، ففي البيت على التقدير أقوال، وقد علم كون حرف الروي فيما قبله مرفوعا.
وقال اليزيدي: الصواب رفعه؛ لأن الكلام قد تم عند قوله: (لا يكون) الثانية، وهي مؤكدة للأولى، ثم استأنف فقال: المهر مهر، وضرب بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، فقيل له: أتكتني بحضرة أمير المؤمنين؟ ! والله إن خطأ الكسائي مع حسن أدبه لأحسن من صوابك مع سوء أدبك، فقال: حلاوة الظفر أذهبت عني حسن التحفظ.
قال بعضهم: دخل اليزيدي على الخليل بن أحمد وهو جالس على وسادة، فأوسع له وأجلسه، فقال اليزيدي: أحسبني ضيقت عليك، فقال الخليل: ما ضاق موضع على متحابين، والدنيا لا تسع متباغضين.
توفي اليزيدي سنة اثنتين ومائتين.