وروى عنه يحيى بن معين، وعلي بن المديني وغيرهما من الحفاظ.
وكان رأسا في الحديث، واللغة، والفقه، والغريب، والشعر، وأيام العرب، صاحب سنة.
قال أبو عبيدة: ضاقت المعيشة على النضر بن شميل بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف، ما فيهم إلا محدث، أو نحوي، أو لغوي، أو عروضي، أو أخباري، فلما صار بالمربد .. جلس وقال: يا أهل البصرة؛ يعز علي فراقكم، والله لو وجدت كل يوم كيلة باقلاء .. ما فارقتكم، قال: فلم يكن أحد فيهم يتكلف ذلك له، وسار حتى وصل خراسان، وجمع بها مالا، ودخل نيسابور، فسمع عليه أهلها، وكانت إقامته بمرو.
ونظير ضيق معيشته عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة القاضي عبد الوهاب المالكي من ضيق معيشته ببغداد، وانتقاله إلى مصر.
روى المأمون عن هشيم بسنده المتصل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها .. كان فيه سداد من عوز» ورواه بفتح السين، وكان النضر بن شميل حاضرا، فروى الحديث من طريق آخر عن عوف بن أبي جميلة بسنده المتصل، ورواه (سداد) بكسر السين، فقال له المأمون: تلحنني؟ قال: لا، إنما لحن هشيم، وكان لحانة، فتبعه أمير المؤمنين في لفظه، قال: فما الفرق بينهما؟ قال: السّداد بالفتح:
القصد في الدين والسبيل، وبالكسر: البلغة، وكل ما سددت به شيئا .. فهو سداد، قال:
أو تعرف ذلك العرب؟ قال: نعم، هذا العرجي يقول:[من الوافر]
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
ثم قال المأمون: قبح الله من لا أدب له، ثم أخذ المأمون القرطاس وكتب ولا يدري النضر ماذا يكتب، ثم قال: إذا أردت أن تترب-يعني الكتاب-كيف تقول؟ قال: أترب، قال: فهو ماذا؟ قلت: مترب، قال: فمن الطين، قلت: طنّ، قال: فهو ماذا؟ قلت:
مطين، فقال المأمون: هذه أحسن من الأولى! ثم قال: يا غلام؛ أتربه، وطنه، ثم أرسل بالكتاب إلى وزيره الفضل بن سهل مع غلامه، وبعث معه النضر بن شميل، فلما قرأ الفضل الكتاب .. قال: يا نضر؛ أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب فيه؟ فأخبرته، فقال: لحّنت أمير المؤمنين، قلت: كلا، إنما لحن هشيم، وكان