زي الكتاب له هيئة حسنة، فأجلسه إلى جانبي وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا، فقال:
هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل، ثم التفت الرجل إلي وقال: كنت إليك مشتاقا، وقد سئلت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟ فقلت: هات، فقال: قال الله تعالى: {(طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ)}، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف، وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:[من الطويل]
وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم .. أوعدوا به! فاستحسن الفضل والسائل ذلك، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا وأشباهه، فلما رجعت إلى البصرة .. عملت كتابي الذي سميته:«المجاز»، وسألت عن الرجل فقيل لي: هو من كتّاب الوزير وجلسائه.
وبلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه كتاب «المجاز»، وأنه يتكلم في كتاب الله برأيه، فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، فركب حماره في ذلك اليوم، ومر بحلقته، فنزل عن حماره، فسلم عليه، وجلس عنده وحادثه، ثم قال: يا أبا سعيد؛ ما تقول في الخبز، أي شيء هو؟ قال: هو الذي تخبزه وتأكله، فقال أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله برأيك، فقال الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته، ولم أفسره برأيي، فقال أبو عبيدة: الذي تعيب علينا كله شيء بان لنا فقلناه، ولم نفسره برأينا، ثم قام، وركب حماره وانصرف.
ولما قدم أبو عبيدة على موسى بن عبد الرحمن الهلالي، وطعم من طعامه .. صب بعض الغلمان على ذيله مرقة، فقال موسى: قد أصاب ثوبك مرق، وأنا أعطيك عشرة ثياب، فقال أبو عبيدة: لا عليك، فإن مرقكم لا يؤذي؛ لأن ما فيه دهن، ففطن لها موسى، وسكت.
وكان الأصمعي إذا أراد دخول المسجد .. قال: انظروا، لا يكون فيه ذاك؛ يعني أبا عبيدة؛ خوفا من لسانه.
قيل: كان أبو عبيدة مدخول النسب، مدخول الدين، يميل إلى مذهب الخوارج وإلى بعض الأمور القبيحة، والله أعلم بحاله.