للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الاستقرار فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد وكفى.

ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال: إنه يرى الله في كل شيء في الوجود، وبعضهم قال: إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود وبعضهم قال: إنه رأى الله فلم ير شيئًا غيره في الوجود وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال. إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه إلإجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور. والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها، بينما يقول بالخلافة في الأرض بكل مقتضيات الخلافة من احتفال وعناية وجهاد لتحقيق منهج الله في الأرض باعتبار هذا كله ثمرة لتصور تلك الحقيقة تصورًا متزنًا متناسقًا مع فطرة الإنسان وفطرة الكون كما خلقها الله (١).

وأما بالنسبة لعقيدته في الصفات: فقد وقع في بعض التأويل بل قال في تفسير سورة الزمر عند قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.

قال: (وكل ما ورد في القرآن وفي السنة من مثل هذه إنما هو تقريب للحقيقة، فالله تبارك وتعالى وضعها في أسلوب يقرب بها، ويمثل).

فالصفات التي وردت في القرآن وفي السنة في نظر سيد قطب إنما هو مجرد تصوير لا حقيقة لها، وهذه العبارة التي نقلت معناها هي قريبة جدًّا من عبارة الزمخشري في تفسيره: ومن كذب بهذا أو شك فليرجع إلى الظلال وليقرأ متجردًا عن الهوى والحمية، والحب الأعمى الذي يتصف به مع الأسف ممن ينتسب إلى طلب العلم.

والنصيحة واجبة للمسلمين وما تعبدنا الله بالأشخاص ولا بكلامهم ولا بفكرهم فهم يصيبون ويخطئون، ويعلمون ويجهلون، ولعل العذر الذي يمكن أن يلتمس لسيد قطب أنه ما اطلع على ما كتبه أئمة السلف في هذا الباب، وأنه قد شغله سعيه الحرير الدائب لنصرة الدين ولتوضيح وتفصيل قضية الحاكمية عن سبر مثل هذه القضايا وإن كان لا ينبغي أن يغفل عنها، فرحمة الله على الجميج وغفر لنا ولهم وجعلنا ممن يقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم.

صفة الاستهزاء: قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وما أباس من مستهزئ به جبار السموات والأرض وما أشقاه وأن الخيال ليمتد إلى مشهد مفزع رهيب وإلى مصير تقشعر من هوله القلوب.

وهو يقرأ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فيدعهم يخبطون على غير هدى في طريق لا يعرفون غايته، واليد الجبارة تتلقفهم في نهايته كالفئران الهزيلة تتواثب في الفخ غافلة عن المقبض المكين، وهذا هو الاستهزاء الرعيب لا كاستهزائهم الهزيل الصغير.


(١) تفسير سيد قطب (٣٤٧٩/ ٦).