للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهنا كذلك تبدو تلك الحقيقة التي أشرنا من قبل إليها حقيقة تولي الله سبحانه للمعركة التي يراد بها المؤمنون وما وراء هذا التولي من طمأنينة كاملة لأولياء الله ومصير رعيب بشع لأعداء الله الغافلين المتروكين في عماهم يخبطون المخدوعين يمد الله لهم في طغيانهم وإمهالهم بعض الوقت في عداواتهم والمصير الرعيب ينتظرهم هنالك وهم غافلون يعمهون (١).

صفة الاستواء:

قال عند قوله تعالى من سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} والاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء (٢).

وقال عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال: أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق استنادًا إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن الله سبحانه لا تتغير عليه الأحوال. فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش، ثم تتبعها حالة استواء. والقول بأننا نؤمن بالاستواء ولا ندرك كيفيته لا يفسر قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى} والأولى أن نقول: انه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا والتأويل هنا لا يخرج عن المنهج الذي أشرنا إليه آنفًا، لأنه لا ينبع من مقررات وتصورات من عند أنفسنا. إنما يستند إلى مقررات القرآن ذاته، وإلى التصور الذي يوحيه عن ذات الله سبحانه وصفاته (٣).

صفة الكلام: قال عند قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} قال: ثم يأتي السياق للمشهد التاسع المشهد الفذ الذي اختص الله به نبيه موسى - عليه السلام - مشهد الخطاب المباشر بين الجليل سبحانه وعبد من عباده المشهد الذي تتصل فيه الذرة المحدودة الفانية بالوجود الأزلي الأبدي، بلا واسطة ويطيق الكائن البشري أن يتلقى عن الخالق الأبدي، وهو بعد على هذه الأرض ولا ندري نحن كيف؟ لا ندري كيف كان كلام الله لعبده موسى ولا ندري بأية حاسة أو جارحة أو أداة تلقى موسى كلمة الله، فتصوير هذا على وجه الحقيقة متعذر علينا نحن البشر المحكومين في تصوراتنا بنصيبنا المحدود من الطاقة المدركة وبرصيدنا المحدود في التجارب الواقعة ولكننا نملك بالسر اللطيف المستمد من روح الله الذي في كياننا أن نستروح وأن نستشرف هذا الأفق السامق المضيء ثم نقف عند هذا الاستشراق لا نحاول أن نفسده بسؤالنا عن الكيفية نريد أن نتصورها بإدراكنا القريب المحدود.

التعليق:

ما ذكره سيد قطب من أنا لا ندري بأية حاسة أدرك موسى كلام الله تبارك وتعالى، فظاهر الآية القرآنية على أن موسى سمع كلام الله بأذنيه وأدركه بقلبه على سنة الله في خلقه في أي بشر.


(١) تفسير سيد قطب (١/ ٤٥).
(٢) نفس المصدر (٢٣٦٨/ ٤).
(٣) تفسير سيد قطب (٣٤٨٠/ ٦).