للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إثبات أو قرنهما مع تقييد أحدهما بأحدهما وعكسه. ومن عمى التعصب أنه ضرب مثلًا هو نقيض الآية وجعله نصيرًا لها فقال ونظيره قولك إن الأمير لا يبذل الدينا ويبذل القنطار لمن يستأهله يريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله ونظير هذا في كلام الأشاعرة قولهم في قوله تعالى: {لَا تُدْركُهُ الأَبْصَارُ} الآية صيروا معناها لا تدركه بعض الأبصار وتدركه بعضها في بعض الأوقات فعلى هذا لو قال تدركه الأبصار لبقي ذلك المعنى المراد بزعمهم على حاله وهذا لعمرك التحريف ويكفيك صنع الفريقين في هاتين الآيتين آية ثم تتبع بعد أن تغسل قلبك بماء وسدر من وسخ العصبية فكلام الزمخشري على هذا النمط في رعاية المذهب فإن صادف محلًا غريبًا خاليًا عن المذاهب فالإمام الذي لا يطاول، والهزبر الذي لا ينازل، ثم قابله الآخذون من كتابه كالبيضاوي الذي قلما يحصلون على طائل غير ما في كتابه كان أعجبك شيء زادوه في موضع فهو مأخوذ من كلامه في موضع آخر وإنما مرمى غرضهم إزالة مذهب الزمخشري وتجريد فوائده ولم يقدروا على ذلك فكثيرًا ما يبنون كلامهم على مذهب الاعتزال مع اجتهادهم أن ينزلوا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على تلك القواعد المنهارة من نفي الحكمة والغرض وصفات الأفعال ومن الجبر ووجوب المراد وغير ذلك، وهذا شيء عارض في هذا الموضع أوجبه الشغف بنصيحة الأمثال والتنويه بما أنعم الله به وله المنة من التبرؤ من الاعتصام بمذهب مخصوص غثه وسمينه واعتقاد أن ما عداه بدعة وضلال، فلقد صار الاقتصار على مذهب معين في الأصول وفي الفروع أمرًا محتومًا، وكان الأخذ من كل قول أحسنه صار بطلانه من الدين معلومًا، بل أخص من هذا وهو اشتراط أن يكون المتمذهب للآباء والأسلاف، وعلى طريقة من سقط رأسك في حجره من الأخلاف ... " إلى آخر كلامه.

وننقل الآن ما قاله في شيخ الإسلام ابن تيمية حين نقل عنه رده عن الفلاسفة وإاثبات جهة الفوقية (ص ٨٧): "وقد أحسن القول وأشبع الفصل معهم ابن تيمية ولكنه حين جاء إلى مذهب سلفه من إثبات جهة فوق ناقض وتخبط وادعى على جمع السلف موافقته على دعواه العاطلة وجعل حجته الظواهر الشاهدة بالفوقية مع موافقته للناس فيما سواها مما يدل على غير جهة الفوق ولا مخصص (١) إلا ذهاب سلفه إلى ذلك وأما دعواه على السلف فكاذبة بأنه لم يجيء عنهم نفي ولا إثبات وكل واحد مما ذهب إلى أي مذهب قال هو مذهب سلف الأمة (٢):


(١) يعني لاثبات جهة فوق.
(٢) قد جرأ المصنف تعززه بالاستقلال على كل أحد، وهون عليه الخروج أحيانًا عن محيط الأدب، فابن تيمية أقوى منه استقلالًا، وأصح اجتهادًا، وأوسع علمًا وأدق فهمًا، وقد استفاد هو من كلامه كثيىرًا، فما كان ينبغي لمثله على تقصيره في الحفظ أن يكذب ابن تيمية علم الحفاظ بغير حجة ولا سند، وينكر عليه تأييد مذهب السلف، على أنه لم يطلع على جمع ما كتب في ذلك، كما علم من كلامه في غير هذا الموضع، وقد قرأنا لابن تيمية وتلاميذه التصريح بصفة العلو والفوقية، مع التنزيه عن الكيفية ولا أدري أي كلامه من كتبه يريد المصنف هنا فهو لم ينقله بنصه، ولم يعزه إلى موضعه. أ. هـ. (كتاب العلم الشامخ).