صار لزامًا عليّ أن أقول رأي فيه. وكم ترددت في ألّا أصدر حكمًا أراه الأخير في هذا البحث، لكن خطورة وأهمية الموضوع والأمانة الشرعية فرضت على أن أذكر قناعاتي المتواضعة اتجاه هذا التفسير، والله من وراء القصد.
أولًا: لقد كان تفسير الجواهر نتاج مرحلة قلقة عاشتها الأمة الإسلامية، وظروف قاسية هيمنت على جلّ العالم الإسلامي ومنه مصر، لذلك حاول الشيخ طنطاوي أن يمدّ يد العون، حتى يرفع من شأن الأمة ما استطاع، وقد أوصله اجتهاده إلى أن العلم طريق الخلاص، لكنه أخطأ الطريق حينما سخّر القرآن الكريم من أجل نشر العلم وتعليم المسلمين.
وفي رأيي إنه لم يوفق في الوصول إلى هدف القرآن، كما أنه لم يوفق في تحديد الوسيلة المناسبة لعرض آرائه وأفكاره. وكنا نود لو أنه صنف كتابًا أو كتبًا خاصة تتضمن هذه الآراء والأفكار.
ثانيًا: إن تفسير الجواهر يمثل اتجاهًا موازيًا لمدرسة فكريّة قديمة، كان روادها من الفلاسفة الذي حاولوا التوفيق بين الدين والفلسفة، على أثر انبهار أولئك من الفلسفة اليونانية حينما ترجمت كتيها إلى العربية وغزت العالم الإسلامي.
وهكذا يعيد التاريخ نفسه، فحينما ذهل المسلمون من التفوق العلمي الذي نهض في أوروبا راحوا يسعون إلى التوفيق بين الدين والعلم، وبهذا يكون العلم الحديث قد حل مكان الفلسفة في الاتجاه المعاصر.
ثالثًا: يلاحظ أن تفسير الجواهر جاء يخاطب عصره لا أكثر، لأنه محمد بطبيعة ذلك العصر وأحواله ومشكلاته، ولقد أضعف ذلك صلاحية التفسير لزمن تجاوز زمن المؤلف أو تجاوز المشكلات التي ذكره بعد أن تمّ حلّها.
ولئن كان للجواهر شهرة في عصره أو كان ذا تأثير قوي -بخاصة خارج مصر- فإننا نلمح أن فعاليته تكاد تتلاشى في هذا الزمن الذي تجاوز دعوة الشيخ، ولعل من دلائل ما أقول انصراف العلماء والناس عنه إلى حدّ بعيد.
رابعًا: لقد قضى الشيخ طنطاوي -رحمه الله- سنوات من عمره في تحضير وتحبير تفسيره، ربما ضاع معظمها سدى - والأجر من الله - لأنه لم يأت بجديد على تفسير الأولين، بل خرج عن مناهج السلف في تفسير كتاب الله تعالى.
ولأن الجديد الذي فيه من العلوم هي علوم موجودة في كتب العلم لم يخترعها الشيخ ولا أبدع يها، وإنما ساقها إلى غير أماكنها المعهودة، في كتاب الله الذي لم يأت موسوعة للعلم ونظرياته وتجاربه، ولم يكن -ولن يكون- حقلًا للعلوم البشرية المضطربة.
خامسًا: إن طنطاوي لم يقدّم لنا تفسيرًا كاملًا للقرآن بجهده وفكره، ولو أنه جعل من تفسير آيات العلوم التي رآها كتابًا سماه مثلًا تفسير آيات العلوم أو أي اسم يشابه ذلك لكان أولى.
سادسًا: أرى أنه لا يمكن اعتماد تفسير الجواهر على أنه تفسير يعتدّ بما فيه لأنه ترك التفسير بالمأثور، وغالى في الاعتماد على العقل فأكثر من التفسير برأيه وخالف قواعد التفسير.
لكنه يصلح أن تُؤخذ منه بعض اللطائف الجيّدة -بعد التأكد من صحتها- وبعض الموضوعات