التعليق: وهذا الذي استظهره أبو محمد رغم حرصه على التنزيه إلا أنه تابع فيه أهل التأويل الذي يؤدي إلى تعطيل صفات الله عزَّ وجلَّ.
صفة الفوقية
قال عند قوله تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهوَ الحَكِيمُ الخبيرُ}، {وهو القاهر} وهو عز وجل المستولي المقتدر، وفوق نصب على الظرف لا في المكان، بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة، وحقيقة فوق في الأماكن، وهي في المعاني مستعارة، شبه بها من هو رافع رتبة في معنى ما، لما كانت في الأماكن تنبئ حقيقة عن الأرفع وحكى المهدوي: أنها بتقدير الحال، كأنه قال: وهو القاهر غالبًا. (١)
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضًا والأول عندنا أصوب.
التعليق:
هذا بحسب ظنه ولكن الأصوب مذهب السلف كما سلف.
إثبات الرؤية
قال عند قوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون. وقال ابن وهب عن مالك بن أنس: والوجه أن يبين جواز ذلك عقلًا ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز واختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا بالله عزَّ وجلَّ، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيز ولا مقابل ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه غير مقابل ولا محاذي ولا مكيفًا ولا محدودًا، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرح بذلك وهو قوله عزَّ وجلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} وتعدية النظر بإلى إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهبت إليه المعتزلة وذكر هذا المذهب مالك.
فقال فأين هم عن قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} قال القاضي أبو محمد، فقال بدليل الخطاب ذكره النقاش ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله:"إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر" ونحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها وذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، واستحالة ذلك آراء مجردة، وتمسكوا بقوله تعالى:{لا تدركُهُ الأَبصَارُ} وانفصل أهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها وانفصال آخر، وهو أن يفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية.
ونقول: إنه عزَّ وجلَّ تراه الأبصار ولا تدركه، وذلك الإدراك، يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته، وذلك كله محال في أوصاف الله عزَّ وجلَّ، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله وهو يدرك الأبصار ويحسن معناه ونحو هذا.