تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} الآية.
العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله تعالى، وأنه ليس بحسم ولا جارحة ولا يشبه، ولا يكيف، ولا يتحيز في جهة كالجواهر، ولا تحله الحوادث، تعالى عما يقول المبطلون.
ثم اختلف العلماء فيما ينبغي أن يعتقد في قوله تعالى: {بل يَدَاهُ} وفي قوله: {بيدي} و {عملته أيدينا} و {يد الله فوق أيديهم} و {لتصنع على عيني} و {لتجري بأعيننا} [القمر: ١٤]، {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: ٤٨] , و {كل شيء هالك إلا وجهه} ونحو هذا.
فقال فريق من العلماء، منهم الشعبي، وابن المسيب، وسفيان، يؤمن بهذه الأشياء وتقرأ كما نص الله، ولا تعنى لتفسير أولًا يشقق النظر فيها.
قال القاضي أبو محمّد وهذا قول يضطرب، لأن القائلين به يجمعون على أنها ليست على ظاهرها في كلام العرب، فإذا فعلوا هذا فقد نظروا وصار السكوت عن الأمر بعد هذا مما يوهم العوام ويتيه الجهلة.
وقال جمهور الأمة: بل تفسير هذه الأمور على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك عن أفانين كلام العرب، فقالوا في العين والأعين: أنها عبارة عن العلم والإدراك، كما يقال فلان من فلان بمرأى ومسمع، إذا كان يعني بأموره وإن كان غائبًا عنه.
وقالوا في الوجه: إنه عبارة عن الذات وصفاتها، وقالوا في اليد واليدين والأيدي أنها تأتي مرة بمعنى القدرة كما تقول العرب لا يد لي بكذا، ومرة بمعنى القدرة كما تقول العرب لا يدلي بكذا، ومرة بمعنى النعمة كما يقال: لفلان عند فلان يد، وتكون بمعنى الملك كما يقال: يد فلان على أرضه، وهذه المعاني إذا وردت عن الله تبارك وتعالى عبر عنها باليد أو اليدين استعمالًا لفصاحة العرب ولما في ذلك من الإيجاز، وهذا مذهب أبي المعالي والحذاق.
وقال قوم من العلماء: منهم القاضي ابن الطيب؛ هذه كلها صفات زائدة على الذات، ثابت لله دون أن يكون في ذلك تشبيه ولا تحديد، وذكر هذا الطبري وغيره.
وقال ابن عباس في هذه الآية: يداه نعمتاه، ثم اختلفت عبارة الناس في تعيين النعمتين، فقيل: نعمة الدنيا ونعمة الآخرة. وقيل النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة، وقيل: نعمة المطر، ونعمة النبات.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ} عبارة عن إنعامه على الجملة، وعبر عنه بيدين جريًا على طريقة العرب في قولهم فلان ينفق بكلتى يديه ومنه قول الشاعر: وهو الأعشى:
يداك يدا مجد فكف مفيدة ... وكف إذا ما ضنَّ بالمال تنفق
ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الإنعام قرينة الإنفاق (١).
(١) تفسير ابن عطية (١٥٠/ ٥).