للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أما قوله -أي صاحب رسالة الماجستير- إنه يخالفهم في بعض الأحيان فليس فيه دليل على أنه لم يكن أشعريًا، وخصوصًا إذا علمنا أن الأشعرية قد مرّت بعدة أطوار، فكان كل من يأتي من أعلامهم يضيف إليها أشياء، ويقرُّ أخرى.

وانظر لذلك كتاب "ابن تيمية وموقفه من الأشاعرة" ففيه تفصيل واف لهذا الأمر.

ومما يؤيد ذهابه مذهب الأشعرية في تأويل صفات الله سبحانه وتعالى ما ذكره في كتابه "نتائج الفكر في النحو"، وإليك بعض هذه المواضع:

أول صفة الرحمة بمعنى الجود والفضل:

فقال (١٥٩): "ورحمة العباد: رقة في القلب إذا وجدها الراحم من نفسه انعطف على المرحوم وأثنى عليه، ورحمة الله للعباد: جود منه وفضل، فإذا صلى عليه فقد أفضل عليه وأنعم.

وكل هذه الأفعال -كانت من الله عزَّ وجلَّ، أو من العبد- فهي متعدية بعلى ومخصوصة بالخير لا تخرج عنه إلى غيره، فقد رجعت كلها إلى معنى واحد، إلا أنها في معنى الدعاء والرحمة صلاة معقولة، أي: انحناء معقول غير محسوس، ثمرته من العبد الدعاء، لأنه لا يقدر على أكثر منه، وثمرته من الله -تعالى- الإحسان والإنعام، فلم تختلف الصلاة في معناها؛ إنما اختلفت ثمرتها الصادرة عنها".

وفي الصفحة (٢٩٣) أثبت صفة اليد لله سبحانه وتعالى تبعًا لقول أبي الحسن الأشعري ولكنه بعد ذلك يذهب إلى أنها قد تعني القدرة ضمن معنى خاص من معاني اليد، وكلا القولين هما للأشعرية، قال: "وأما اليد فهي عندي في أصل الوضع كالمصدر، عبارة عن صفة لموصوف، ألا ترى قول الشاعر:

يدينُ على ابن حسحاس بن عمرو ... بأسفل ذي الجذاة يد الكريم

فيديتُ: فعل مأخوذ من مصدر لا محالة، والمصدر صفة لموصوف، ولذلك مدح سبحانه بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله تعالى: {الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ} ولم يمدحهم بالجوارح، لأن المدح لا يتعلق إلا بالصفات لا بالجواهر. وإذا ثبت هذا فصح قول أبي الحسن الأشعري: إن "اليد" من قوله: "وخلق آدم بيده"، ومن قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} صفة ورد بها الشرع، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه، ولا في معنى [النعمة]، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزًا منه لمخالفة السلف، وقطع بأنها صفة تحرزًا منه عن مذاهب أهل، التشبيه والتجسيم.

فإن قيل: وكيف خوطبوا بما لا يفهمون ولا يستعملون؛ إذ اليد بمعنى الصفة لا يفهم معناه؟

قلنا: ليس الأمر كذلك، بل كان معناها مفهومًا عند القوم الذين نزل القرآن بلغتهم، ولذلك لم يستفت أحدٌ من المؤمنين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن معناها، ولا خاف على نفسه توهم التشبيه، ولا احتاج مع فهمه إلى شرح وتنبيه. وكذلك الكفار لو كانت اليد عندهم لا تعقل إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض، واحتجوا بها على الرسول، ولقالوا: زعمت أنه ليس كمثله