للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأرض والسماوات؟ ولو كانت حقيقة صفات الله تعالى تدرك بالعقول، لوصل أصحاب رسائل "إخوان الصفا" إلى الصفا، ولوصل صاحب "النجاة" و "الشفا" إلى النجاة وغليل لبه شفا، ولكن {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: ٢٥٥]، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، وأين هم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"؟ لكن من اتبع هواه هامَ في كل واد، ولم يبال بأي شعب سلك، ولا بأي طريق هلك".

هذا نقل من كتاب ابن بدران يبين لنا حقيقة معتقده السليم، وما كان عيه من قبل، وقد قرر عقيدته في أكثر من موضع من كتبه، فمن ذلك أيضًا: ما قاله في معرض كلام له حول شرط واقف المدرسة الرواحية بدمشق حيث قال: "قال الحافظ الذَّهبي: إن واقف الرواحية اشترط على من يقيم بها من الفقهاء والمدرسين شروطًا صعبة، لا يمكن القيام ببعضها، ولم يبين الذهبي تلك الشروط، ثم قال: وشرط أن لا يدخل مدرسته يهودي، ولا نصراني، ولا حَنْبلي حشوي، انتهى.

فاشتراطه عدم دخول اليهود والنصارى إلى مدرسته علة مفهومة وأما اشتراطه عدم دخول حنبلي حشوي، فليس بمفهوم، لأن الحنابلة لا يتصفون بهذه الصفة، وهذا من التعصب الناشئ عن الجهل، والسعي في تفريق اجتماع هذه الأمة المحمدية، ويمكن أن يكون أراد بالحشوية الذين يقرؤون آيات الصفات، ويقولون: نمرها كما جاءت، ونكل تفسيرها إلى الله تعالى من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، فالاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] استواء يليق بذاته تعالى لا نعلم حقيقته، لأنا إذا فسرناه بقولنا: استولى، نكون أخطأنا، لأن من استولى على شيء، لا بد وأن يكون خارجًا عن يده قبل استيلاته عيه، كما يشير قول الشاعر:

قد استوى بشْرٌ على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق

ومعناه أن بشرًا استولى على العراق، واستخلصها من يد غيره بدون سل سيف، أو إراقة دم، وتعالى الله عن أن يكون استولى على ملكله بهذه الصفة، ومثله يقال في السميع والبصير وأشباههما: إن الله أثبت لنفسه صفة السمع والبصر والكلام، وأخبرنا في كتابه العزيز بأنه متصف بذلك، ولكننا لا نعلم حقيقة تلك الصفات، وليس يجب علينا إلا أن نؤمن بها، ونترك علمها إلى المتصف بها ... ".

هذا جانب من عقيدته، وهناك جانب آخر لا يقل عنه أهمية، وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.

فمنه قوله -رحمه الله تعالى-: "أقول: إن نقل الكرامات أصبح أمرًا عسيرا لأن أصحاب الرجل يستعملون الغلو دائمًا، والأخبار تحتمل الصدق والكذب.

وكثيرًا ما أرى كرامة لرجل قد نسبها له المتأخرون، ثم أراها بعينها في ترجمة من قبله ومن قبله.