التأويل من الأشاعرة والماتريدية وأهل الكلام وإليك عزيزي القارئ بعض المواضع من تفسير صاحب الترجمة تؤيد ما ذكرنا:(الجزء الأول- القسم المكي- ص ١٨٢).
١ - في معنى الاستواء:"وهو "الرحمن" الذي وسعت رحمته كل شيء عزت قدرته وجلّت على العرش استوى، استواء يليق بذاته ويراد منه الظهور والاستيلاء والتمكن.
مطلب العرش ومعنى الاستيلاء عليه:
والعرش لغة السرير ذو القوائم، أما عرش الرحمن فهو شيء يليق بذاته لا يعلم حقيقته على الحقيقة إلا الله إلا أنه شيء يحمل لقوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة: ١٥]، في جـ ٢ وهذه الآية تدل على عظمته، لأن الملك الواحد يقوى على حمل الأرض بما فيها، فكيف إذا كانوا ثمانية أملاك، ومن هنا تعلم عظمته، قالوا هو كالقبة فوق السماوات له قوائم، بدليل ما رواه البخاري عن أبي سعيد، قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لطم وجهه، فقال يا محمّد رجلٌ من أصحابك قد لطم وجهي! فقال - صلى الله عليه وسلم -: ادعوه فقال لم لطمت وجهه؟ فقال يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول والذي اصطفى موسى على البشر، فقلت يا خبيث وعلى محمّد - صلى الله عليه وسلم -، فأخذتني الغضبة فلطمته. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تميزوا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق، فإذا بموسى عليه السلام أخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور. أي لم يصعق وهو فوق السماوات بدليل ما رواه أبو داود عن جبير بن محمّد بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، ونهكت الأموال، فاستق لنا، فإنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله تعالى عليك فقال - صلى الله عليه وسلم - ويحك أتدري ما تقول؟ وسبّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجهه أصحابه، ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه، شأن الله تعالى أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن الله تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته هكذا وقال بأصابعه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب، أي من عظمة الرب جل وعلا وهيبته، وهو منزه عن الثقل والخفة وسائر أوصاف خلقه، وهذا مما يدل على عظمته أيضًا. وقد روى أبو ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه يقول ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض. وجاء في خبر آخر: إن أرضكم هذه بالنسبة لعرش الرحمن كحلقة ملقاة في فلاة، هذا وقد وصفه الله تعالى في قوله جل قوله:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[البقرة: ٢٥٦] في جـ ٣، ووصفه بالمعظم في آيات، وناهيك بذلك. هذا، وقد روي عن ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه، وقال على شرط الشيخين، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله، وبما أن هذه من آيات الصفات التي جرى السلف على ظاهرها دون تأويل أو تفسير، ومشى الخلف على خلافه، فقال بعضهم إن العوشق كناية عن ملك الله وسلطانه، وهو غير سديد لمنافاته ظاهر القرآن والحديث، لأنه إذا كان كما قيل فكيف نقتنع بقول الله {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} الخ الآية