للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المذكورة آنفًا، وقوله تعالى: {يحملون العرش} [المؤمنين: ١٨] في جـ ٢، أيقال يحملون ملكه وسلطانه؟ كلا، وهل كان موسى آخذًا بقوائم الملك والسلطان في الحديث المار؟ كلا وما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والبخاري عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، فهل يقال اهتز ملكه وسلطانه، كلا لا يقال شيء من ذلك أصلًا لأن ذلك أمر معنوي لا يحمل ولا يمسك ولا يهتز لذلك فلا يقوله من له أدنى مسكة من علم أو ذوق، فإن صاحب هذا القول على فرض صحته أراد به تنزيه الله تعالى على طريقة الخلف من كل ما يدل على المكان، لأنه جل ذكره لا يحويه مكان، ولكنه فلك من الأفلاك أو الفلك الأطلس أو الفلك التاسع، فليس بصحيح، لأن قولهم مبني على الحدس والظن، كيف وقد ثبت أنه له قوائم وأنه محمول وممسوك، والفلك التاسع عندهم متحرك محركة متشابهة وهو لا ثقيل ولا خفيف كما يزعمون، وقد جاء في خبر أبي داود ذكر عن جبير بن مطعم المتقدم ذكره من أنه مثل القبة، لا يستلزم أن يكون مستديرًا محيطًا كما قالوا، وهؤلاء القوم ما زالوا قبلًا والى اليوم وإلى أن ينفخ في الصور لا يقدرون على حصر الأفلاك بأنها تسعة، وأن التاسع أطلس ولا كوكب فيه، وأنه غير الكرسي علمت قال أمية بن الصلت:

مجّدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء العالي الذي بهر النا ... س وسوى فوق السماء سريرا

شرجعًا لا يناله طرف عين ... وترى حوله الملائك صورا

جمع أصور وهو المائل العنق لنظره إلى العلو، والشرجع العالي المفرط بعلوه، واستوى بمعنى استولى على أكثر أقوال المفسرين أوضعناه في الآية ٥٤ من الأعراف المارة، ودلّنا عليه بشواهد كثرِة اتباعًا لغيرنا، إلا أنه مع شواهده لا يطمئن له الضمير، كما أن ما جاء أنه بمعنى العلو والارتفاع في رواية البخاري، أو أنه بمعنى الاستقرار كما في قوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤]، وبقوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: ١٢] ممنوع، لأنه مستحيل على الله تعَالى، وذلك لأن الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز وهو محال في حقه تعالى، ولأنه لا يقال استولى على كذا إلا إذا كان له منازع فيه، وهذا في حقه تعالى محال أيضًا، وإنما يقال استوى إذا كان المستولى عليه موجودًا قبل، والعرش إنما حدث بتخليقه تعالى وتكوينه له، وأيضًا الاستيلاء واحد بالنسبة إلى كل المخلوقات، فلا يبقى إلى تخصيص العرش بالذكر فائدة، لذلك فالأولى أن يفسر بما فسرناه هنا من أنه استواء يليق بذاته كما هو الحال في آيات الصفات، من المجيء، واليد، والقبضة، وغيرها، لأن القانون الصحيح وجوب حمل كل لفظ ورد في القرآن العظيم على ظاهره، إلا إذا قامت الأدلة القطعية على وجوب الانصراف عن الظاهر، ولا داعي للتأويل بما قد يوجب الوقوع في الخطأ وزلة القدم. وانظر ما قاله السلف الصالح في هذا الباب. روى البيهقي بسنده عن