للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبد الله بن وهب أنه قال كنا عند مالك بن أنس، فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فكيف استواؤه؟ قال فأطرق مالك وأخذته الرَّحضاء (العرق الذي يحصل من أثر الحمى) ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه، فأخرج الرجل، وفي رواية سمي بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، فكيف استواؤه؟ فأطرق مالك رأسه حتى علته الرحضاء ثم قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا متبدعًا، فامر به أن يخرج. وروي عن علي - عليه السلام - أنه قال: الاستواء غير مجهول: (لم يقل معلومًا تأدبًا، وكان مالك أخذ هذه الجملة عنه - صلى الله عليه وسلم - إن لم نقل أنها من توارد الخاطر) والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وأخرج اللالكائي في كتاب السنة عن طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. وجاء من طريق ربيعة بن عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى ربنا على العرش؟ فقال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله تعالى إرساله، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم، وروى البيهقي بسنده عن ابن عيينة قال كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه. قال البيهقي والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل والحسن بن الفضل الجبلي، ويدل عليه مذهب الشافعي ومشى عليه من المتأخرين أبو سليمان الخطابي، وأهل السنة يقولون في الاستواء على العرش صفة لحمله بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله، وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء أهل السنة أن هذه الآيات التي فيها الصفات المتشابهة تقرأ كما جاءت بلا كيف، هذا والذي ذهب إليه الإمام الرازي أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، والاستيلاء بمعنى الاقتدار، وهو كما ترى وأقوال السنة وبعض العلماء في هذا الباب لا تحصى، وقد قدمنا غير مرة بأن طريقتنا في هذا التفسير الجيل حمل كل لفظ ورد في القرآن العظيم على ظاهره، إلا إذا لم نتوصل لفهمه وورود الدليل القاطع النقلي والعقلي يصرفه عن ظاهره، فإنما نعدل عنه ضرورة ونرجع إلى التأويل بما نقتبسه أولًا من القرآن لأن في بعضه تفسيرًا لبعض، ثم في الحديث لأن قول الرسول شرح له، ثم إلى أقوال الأصحاب الكرام الخزامى الذين قال بحقهم - صلى الله عليه وسلم - أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (١).

وفي (ص: ٩٥) من تتمة القسم الأول من القسم المكي قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} استواء يليق بذاته ويراد به الاستيلاء. والله أعلم".

٢ - وفي مسألة الرؤية وإثباتها والرد على المعتزلة يقول: (الجزء الثاني: القسم المكي / ٣٨٦): "هذه الآية إشارة لرؤية الله في الآخرة لا نفيها كما استدلت به المعتزلة، لأنه جل


(١) هذا حديث ضعيف جدًّا أو موضوع.