شأنه قد تمدح على عباده بذلك على طريق الإعجاز فلو لم يكن جائزًا لما كان هذا التمدح واقعًا لأن المعدوم لا يتمدح به ولا يلزم من عدم الرؤية مدح، ولو لم يكن جائز الرؤية لما سألها موسى - عليه السلام - إذ مثله لا يسأل عما لا يجوز، ويدل على جوازها تعليق الله جلت عظمته الرؤية على استقرار الجبل واستقراره جائز والمعلق على الجائز جائز، وهذا إثبات جواز الرؤية من حيث العقل ويدل عليها من الكتاب قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة: ١٦] في جـ ١، وقوله تعالى في حق الكفار:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين: ١٦]، الآتية إذ يفهم أن المؤمنين غير محجوبين عنه، قال الإمام مالك: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعبر تبارك وتعالى عن الكفار بالحجاب، وقد أجمع المفسرون على أن كلمة وزيادة وقوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس: ٢٦] المارة هي رؤية الله تعالى، ومما يدل عليها من السنة كثير صحيح قدمناه في الآية من سورة النجم والآية ١٣ من سورة القيامة والآية ١١٤ من سورة الأعراف المارات في ج ١، أما ما تمسك به أهل البدع والأهواء والمرجئة من أنه تعالى مستحيل الرؤيا احتجاجًا بمطلع هذه الآية ولأن الإدراك فيها عبارة عن الرؤية لا عدم الإحاطة كما درجت عليه أهل السنة والجماعة إذ لا فرق عندهم بين أدركته ورأيته وهو خطأ صريح، لأن الإدراك الإحاطة بكنه الشيء وحقيقة الرؤية معاينة الشيء ومشاهدته لأنها قد تكون بغير إدراك، قال تعالى في قصة أصحاب موسى:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} قال: {كلا}[الشعراء: ٦٢] المارة في جـ ١، وكان قوم فرعون رأوا قوم موسى إلا أنهم لم يدركوهم فنفى موسى عنهم الإدراك مع إثبات الرؤية بقوله كلا، ومما لا شك فيه أن رؤية الله في الآخرة تكون من غير إدراك لاستحالة الإحاطة به لأنه منزه عن الحد والجهة والأبعاد الثلاثة والجهات الست، قال في بدء الأمالي:
يراه المؤمنون بغير كيف ... وإدراك وضرب من مثال
فينسون النعيم إذا رأوه ... فيا خسران أهل الاعتزال
أي يا قوم احذروا خسران المعتزلة من رؤية الله لأنهم يقولون بعدمها فجزاهم الله حرمانها جزاءً وفاقًا، أما إذا قالوا إنه لا يرى في الديا فهذا مما لا جدال فيه وما وقع لسيدنا محمّد - صلى الله عليه وسلم -، فهو خاص به وما من عموم إلا وخص منه البعض، هذا وقد أوضحنا كيفية رؤيته تعالى وثبوتها بالصحائف المشار إليها أعلاه فراجعها ترشد لما تريد وزيادة".
٣ - وفي صفة المجيء قال (الجزء الثاني: القسم المكي / ٤٢٨): (قال تعالى {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر: ٢٢]، وهذه الآية من آيات الصفات من قسم المتشابه الذي ذهب السلف الصالح إلى إبقاته على ظاهره وتأوله الخلف بما يلائم المقام".
٤ - وفي الكلام بصورة عامة عن آيات الصفات يقول (الجزء الأول: القسم المكي / ٥٨): "هذا، وقد سبق أن ذكرنا في تفسير الآية ٥٤ من