للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أجمع أهل الحق على أن كلام الله تعالى صفة له أزلية قائمة وهي أمره ونهيه وخبره ووعده ووعيده، وزعمت الكرامية أن كلامه قدرته على قوله وقوله حادث في ذاته، وزعمت القدرية أن كلام الله حادث في جسم من الأجسام، وزعم أبو الهذيل أن قوله للشيء: كن. عرض حادث لا في محل وسائر قوله حادث في جسم ما وقد أبطلنا قبل هذا قول الكرامية محلول الحوادث وأبطلنا أيضًا قول من أجاز وجود قول وإرادة أو شيء من الأعراض لا في محل، والدليل على أن كلام الله صفة له أزلية لا محدثة هو أن كلامه لو كان؟ ودليلنا على أن كلامه ليس بمحدث أنه لو كان حادثًا لم يجز حدوثه فيه لاستحالة كونه محلًا للحوادث ويستحيل حدوثه لا في محل لأن العرض لا يكون إلا في محل، ولو حدث كلامه في جسم من الأجسام لكانت الأسماء الصادرة من خصوص أوصاف الكلام راجعة إلى محله فكان محله به آمرًا ناهيًا مخبرًا كالحياة والقدرة والعلم إذا حدثت في محل كان المحل بها قادرًا عالمًا حيًّا وإذا استحال أن يأمر وينهي بكلام الله غيره صح أن كلامه أزلي قائم به لا بغيره".

وقال في الأصل في تأويل الوجه والعين من صفاته: "اختلفوا في هذه المسألة فزعمت المشبهة أن لله وجهًا وعينًا كوجه الإنسان وعينه [وزعم بعضهم أن له وجهًا وعينًا هما عضوان ولكنهما ليس كوجه الإنسان وعينه بل هما خلاف الوجه والعيون سواهما، وزعم بعض الصفاتية أن الوجه والعين المضافين إلى الله تعالى صفات له. والصحيح عندنا أن وجهه ذاته وعينه رؤيته للأشياء وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} معناه ويبقى ربك ولذلك قال ذو الجلال والإكرام بالرفع لأنه نعت الوجه ولو أراد الإضافة لقال ذي الجلال والإكرام بالخفض، وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي} أي على رؤية مني كما قال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وقوله في سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أراد بها العيون التي جرت بها السفينة من الماء لأنه قال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}، فجرت السفينة بتلك العيون المفجرة والمراد بقوله: كل شيء هالك إلا وجهه، بطلان كل عمل لم يقصد به وجه الله تعالى: [خلاف البيانية من الغلاة في دعواها أن كل شيء من الإله يفنى إلا وجهه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا".

وقال في الأصل في معنى الاستواء المضاف إليه: "اختلفوا في تأويل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فزعمت المعتزلة أنه بمعنى استولى كقول الشاعر: [قد] استوى بشر على العراق أي استولى وهذا تأويل باطل لأنه يوجب أنه لم يكن مستوليًا عليه قبل استوائه عليه، وزعمت المشبهة أن استواءه على العرش بمعنى كونه مماسًا لعرضه من فوقه وأبدلت الكرامية لفظ المماسة بالملاقات، وزعم بعضهم أنه لا يفضل منه على العرش شيء [عن عرض العرش وهذا يوجب كونه في العرش على مقدار عرض العرش، وزعم آخرون أنه أكبر من العرش وأنه لو خلق عن يمين العرش وعن يساره عرشين آخرين كان ملاقيًا بحميعها من فوقها بلا واسطة وهذا يوجب أن يكون كل عرش كبعضه فيكون متبعضًا، واختلف أصحابنا في هذا فمنهم من قال إن آية الاستواء من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وهذا قول مالك بن أنس وفقهاء المدينة والأصمعي ورويَ أن مالكًا سُئل عن الاستواء