عن نبيه:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وقال لموسى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} ولو أراد أنه بذاته، مع كل أحد، لم يكن لهم بذلك اختصاص، لوجوده في حق غيرهم، كوجوده فيهم، ولم يكن ذلك موجبًا لنفي الحزن عن أبي بكر ولا علة له، فعلم أن ظاهر هذه الألفاظ، هو ما حملت عليه، فلم يكن تأويلًا، ثم لو كان تأويلًا، فما نحن تأولناه، وإنما السلف رحمة الله عليهم، الذين ثبت صوابهم، ووجب اتباعهم، هم الذين تأولوه، فعن ابن عباس والضحاك ومالكا، وكثيرًا من العلماء، قالوا في قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ} أي علمه".
ثم يتكلم صاحب الرسالة عن اعتقاد ابن قدامة في مسألة الأسماء والصفات، فينقل قول ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة -الذي نقلناه عنه آنفًا- ومفاده أن ابن قدامة يؤمن بصفات الله وأسمائه من غير تفسير ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تعطيل.
ثم يقول: "فنجد الموفق يثبت لله عزَّ وجلَّ جميع الصفات التي ذكرت في كتاب الله أو على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وكل ذلك على مذهب السلف، ويطيل الكلام على ما يتعلق بصفتي النزول والاستواء باعتبار أنها أثارت جدلًا بين العلماء، فينقل قول الإمام مالك وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وكيف أن ابن قدامة قد استدل بأقوالهما في الكلام على مسألة الاستواء يستدلا به على أن هذا هو الاعتقاد الصحيح في هذه المسألة.
ثم ينقل صاحب الرسالة ملخص اعتقاد ابن قدامة في مسألة الصفات فيقول (ص ٢٠٥): "ومجمل قول ابن قدامة في موضوع الصفات يذكره بنفسه في كتاب الاعتقاد فيقول: "فكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، من صفات الرحمن، وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه والتمثيل، وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله، أتباعًا لطريق الراسخين، الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فيعترفون بأن الاستواء صفة من صفات الله الفعلية، يجب الإيمان بها، والاعتقاد بأن الله فوق سماواته، مستو على عرشه، استواء يليق بذاته وعظمته".
ثم يذكر في (ص ٢٠٦) رأي ابن قدامة في مسألة كلام الله تعالى فيقول: "يرى الإمام الموفق أن الكلام صفة قديمة من صفات الله عزَّ وجلَّ، فهو متكلم بكلام قديم، لا يمكن أن يسمع كلامه أحد إلا أن يشاء ذلك، وقد سمع كلام الله عز وجل كل من موسى - عليه السلام - وجبريل عليه السلام، وورد في الأخبار الصادقة عن الرسول - عليه السلام - أن المؤمنين في الآخرة يكلمهم الله عزَّ وجلَّ ويكلمونه، ويؤيد الموفق هذا الرأي، ويدعمه بفهمه للآيات القرآنية الواردة بالنص في وصف الله عزَّ وجلَّ بالكلام، وأظهرها ما ورد في