للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الدرجات أو المقامات فهو عبدلها ومن عمل لله فهو عبد الله وهو راحل من الأكوان إلى المكوّن (وأنّ إلى ربك المنتهى) أي فقد انتهى سيره إلى الله وصار متحققًا بمعنى هذه الآية نحلاف المرتحل من كون إلى كون فإنه غير منته له ولا واصل إليه".

وقال في دعاء ختم الكتاب صفحة (١٠٥ - ١٠٦): " (وأنت أملي) أي الذي أمات العطاء منه لأن عادتك الإحسان (أم كيف أهان) أي بحصل لي هوان وذل (وعليك متكلي) أي اتكالي واعتمادي (إلهي كيف أستعز) أي يحصل لي عزّ في نفسي (وأنت في الذلة أركزتني) أي أقمتني في الذلة وجعلتها مركزًا ومكانًا لي لا أفارقها (أم كيف لا أستعز) أي يحصل لي عزّ بك (وإليك نسبتني) أي وقد نسبتني إليك نسبة خاصة بإفاضة الأنوار على ظاهري وباطني حتى صار كل من رآني يقول هذا وفي الله فأنا ذليل من وجه عزيز من آخر (أم كيف لا أفتقر وأنت الذي في الفقر أقمتني) نهو صفة لازمة لي ومن لازمة الذلة فيرجع لما قبله (أم كيف أفتقر وأنت الذي بوجودك) أي بشهودك وفي بعض النسخ بجودك أي إحسانك إليّ بالشهود فيرجع لما قبله (أغنيتني) حتى حصل لي عز بك فالافتقار يرجع للذلة والاستغناء للعزة وتلونه في هذه الأوصاف المتضادة بحسب الظاهر لما يغلب عليه من مشاهدة ما يوجبها والذلة المثبتة هنا هي ذلة الخليقة والعبودية والنسبة التي أشار إليها هي سر الخصوصية كما تقرر (أنت الذي لا اله غيرك) يعبد أو يستند إليه في شيء (تعرفت لكل شيء) أي جعلت نفسك معروفًا لكل شيء بما أودعته فيه من النور الذي عرفك به (فما جهلك شيء) بل صار كل شيء يعرفك "وأنت الذي تعرفت إليه في كل شيء" بأن أودعت في نورًا "فرأيتك في كل شيء" بسبب ذلك النور (فأنت الظاهر لكل شيء) مفرع على ما قبله (يا من استوى) أي استولى (برحمانيته) أي برحمته (على عرشه) فصار العرش تحت حكمه وقهره كاستيلاء السلطان بجنوده على أهل بلد فشبه المولى بسلطان ورحمته بالجنود وعرشه بأهل القرية (فصار العرش غيبًا) أي غائبًا ليس له وجود (في رحمانيته) أي بالنسبة لرحمته (كما صارت العوالم) أي السموات والأرضون وما فيها (غيبًا) أي غائبة (في عرشه) أي ليس لها وجود بالنسبة له ثم بين ذلك بقوله (محقت) يا الله (الآثار) وهي السموات والأرضون وما بينهن (بالآثار) وهو العرش لأنه أثر الرحمة والعوالم بالنسبة له كلا شيء (ومحوت الأغبار) وهو العرش (بمحيطات أفلاك الأنوار) أي بالأنوار الشبيهة بالأفلاك المحيطة بالعرش وهي تلك الرحمة.

والحاصل أن رحمته تعالى أي إحسانه هو الذي اقتضى وجود العوالم كلها من عرشها لفرشها ولولا إحسانه لها بالوجود ما وجدت فالمراد بالرحمة الرحمة العامة التي وسعت كل شيء (يا من احتجب) أي امتنع (في سرادقات عزه عن أن تدركه الأبصار) أي في عزه الشبيه بالسرادقات جمع سرادق بمعنى الخيمة التي تنصب على صحن الدار فالسرادقات الخيام وهو من إضافة المشبه به للمشبه فكما أن الخيمة تمنع من رؤية ما بعدها كذلك عز الله أي قوته العظيمة يمنع عن رؤيته بالأبصار ثم إن أريد رؤية الإحاطة فهي ممتنعة في الدنيا والآخرة وإن أريد مطلقها فهي ممتنعة في