شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء) حتى استدل به المشاهدون على الأشياء قال تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ} ومقتضى ولو أسقط لفظ كل لكان أظهر في إفادة العموم والقصد بهذا الكلام المبالغة في نفي الحجاب فلا يضر كون هذا الوجه بمعنى الوجه الأول وبعضهم أئبتت التغاير بينهما بما فيه كلفة (يا عجبًا كيف يظهر الوجود في العدم) لأن العدم ظلمة والوجود نور وهما ضدان لا يجتمعان (أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم) لأن الحادث باطل والله تعالى حق والباطل لا يثبت مع ظهور الحق قال تعالى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. فالظاهر والثابت هو الحق تعالى لا الكون وما بدا إلا وجهه الحق فهو المظهر والظاهر والموجود دون كل المظاهر والتعجب المذكور ناشيء من غلبة الشهود فإنه إذا قوى على العبد اضمحلت الأكوان في نظره وفنى عنها بالمرة.
وقال في صفحة (٣٣ - ٣٤): "ثم قال (شعاع البصيرة) ويعبر عنه بنور العقل وبعلم اليقين (يشهدك قربه منك وعين البصيرة) ويعبر عنه بنور العلم وبعين اليقين (يشهدك عدمك لوجوده وحق البصيرة) يعبر عنه بنور الحق وبحق اليقين (يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك). والحاصل أن السالك يهتف على قلبه أنوار إلهية يعبر عنها بهذه العبارات ويترتب على كل واحد ثمرات وفوائد. قال بعضهم لا يبلغ العبد حقيقة التواضع إلا عند لمعان نور المشاهدة في قلبه فعند ذلك تذوب النفس وتنطبع للحق وللحق بمحو آثارها وسكون وهجها وغبارها وبين المصنف أن الذي ينكشف بالنور الأول قرب الله منك وثمرة ذلك ونتيجته مراقبته تعالى والاستحياء منه حتى لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك والذي ينكشف بالثاني عدمية كل موجود في وجود الحق تعالى فبشهد الأكوان عدمًا فلا يعبأ بها ولا يلتفت إليها إذ وجودها عارية والوجود الحقيقي له سبحانه وتعالى وثمرة ذلك أن لا يبقى في نظرك ما تستند إليه ولا ما تستأنس به فيتم لك التوكل والتفويض والرضا والاستسلام والذي ينكشف بالثالث الذات المقدسة وثمرة ذلك الفناء الكامل الذي هو دهليز البقاء فيفنى عن فنانه وعدمه استهلاكًا في وجود سيده وناهيك بما يحصل له حينئذ من المواهب والأسرار الإلهية فإذا ترقى عن ذلك حل في مقام البقاء لا يحجبه الحق عن الخلق ولا الخلق عن الحق والفاني محجوب بالحق عن الخلق أ. هـ. (كان الله ولا شيء معه) يعني أن هذا حال من هو متحقق بمقام الفناء وهو عدم رؤيته غير مولاه (وهو الآن على ما عليه كان) أي أن الأمر الذي حصل لذلك الشاهد وهو أن الوجود الحقيقي له سبحانه وتعالى وغيره لا وجود له هو الوصف المتحقق له سبحانه في الواقع وعدم إدراك ذلك له قبل ذلك إنما هو لوجود الحجاب فقوله وهو الآن أي عند مشاهدة هذا السالك له على هذا الوصف على ما عليه كان أي هو متصف به في الواقع وقبل إدراك هذا المشاهد له لكن عدم إدراكه ذلك إنما هو للحجاب القائم به.
وقال في صفحة (٣٧): " (ولكن ارحل من الأكوان إلى المكوّن) بأن تخلص عملك لمولاك وحده دون حظ عاجل أو آجل فمن عمل لأجل