فعل هذه الجناية الخفيفة متأولًا، ثم إنه حبسَ عليًّا عن الدخول كما قيل، فكان ماذا؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستُجيبت، فلو حبسه، أو رده مراتٍ، ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا، اللهم إلا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد بقوله:"إيتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي" عددًا من الخيار، يصدُق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله، كما يصح قولنا: أحب الخلق إلى الله الصالحون، فيقال: فمن أحبهم إلى الله؟ فنقول: الصديقون والأنبياء. فيقال: فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله؟ فنقول: محمّد وإبراهيم وموسى، والخطب في ذلك يسير.
وأبو لبابة -مع جلالته- بدت منه خيانة، حيث أسار لبني قريظة إلى حلقِه، وتاب الله عليه. وحاطب بدت منه خيانة، فكاتب قريشًا بأمر تخفى به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوهم، وغفر الله لحاطب مع عظم فعله - رضي الله عنه -. وحديث الطير- على ضعفه- فله طرق جمّة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله، وله على خطئه أجر واحد، وليس من شرط الثقة أن لا يخطى ولا يغلط ولا يسهو. والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفَّاظ رحمه الله تعالى" أ. هـ.
• ميزان الاعتدال: "وسمعت عبْدان، سمعت أبا داود السجستاني يقول: ومن البلاء أنَّ عبد الله يطلب القضاء. وسمعت محمّد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول: أشهد على محمّد بن يحيى بن منده بين يدي الله أنه قال: أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال: روى الزُّهري عن عُروة، قال: حفيت أظافير فلان من كثرة ما كان يتسلق على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: هذا لم يسنده أبو بكر إلى الزهري، فهو منقطع، ثم لا يُسمع قول الأعداء بعضهم في بعض. ولقد كاد أن تضرب عنق عبد الله لكونه حكى هذا، فشدّ منه، محمّد بن عبد الله بن حفص الهمداني، وخلصه من أمير "صفهان "أبي ليلى، وكان انتدب له بعض العلوية خصمًا، ونسب إلى عبد الله المقالة، وأقام الشهادة عليه ابن منده المذكور، ومحمد بن العباس الأخرم، وأحمد بن علي بن الجارود؛ فأمر أبو ليلى بقتله؛ فأتى الهمداني وجرّح الشهود، فنُسب ابن منده إلى العُقوق، ونسب أحمد إلى أنه يأكل الربا، وتكلم في الآخر، وكان ذا جلالة عظيمة، ثم قام وأخذ بيد عبد الله، وخرج به من فك الأسد؛ فكان يدعو له طول حياته، ويدعو على الشهود.
حكاها أبو نعيم الحافظ، وقال: فاستُجيب له فيهم، منهم من احترق، ومنهم من خلط وفُقد عقله" أ. هـ.
• طبقات المفسرين: "قال أبو بكر الخلال: كان ابن أبي داود أحفظ من أبيه.
قال صالح بن أحمد الهمداني: فإن ابن أبي داود إمام أهل العراق ونصب له السلطان المنبر وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، فلم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو.
وقال محمّد بن عبيد الله بن الشخير: كان ابن أبي داود زاهدًا ناسكًا صلى عليه يوم مات نحو ثلاثمائة ألف إنسان" أ. هـ.
• قلت: ومن مقدمة كتاب "لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن