للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقهر والغلبة، وذلك سائغ في اللغة، شائع فيها، إذ القائل يقول: استوى الملك على الإقليم، إذا احتوى على مقاليد الملك فيه، ومنه قول القائل:

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق

وقول الآخر:

ولما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وكاسر"

ثم ذكر الاعتراض الذي أورده في الإرشاد وأجاب عنه بمثل ما أجاب به هناك، ثم ذكر القول الآخر أنه بمعنى القصد والإرادة، وقول الأشعري أنه فعل فعله في العرش واستبعده، وأما في لمع الأدلة -المختصر في العقائد- فلم يذكر سوى التأويل: حيث قال: "المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو، ومنه قول العرب: استوى فلان على المملكة -أي استعلى عليها واطردت له، ومنه قول الشاعر:

قد استوى بشر ... "، وفي "النظامية" -وهي من آخر مؤلفاته- قطع بتنزيه الله عن الاختصاص ببعض الجهات، ثم ذكر أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرها دون تأويل، وهو ما رجحه.

هذه خلاصة أقوال الجويني في الاستواء، ومنه يتبين أن ما اختاره في لمع الأدلة وقال بجواز القول به في الإرشاد والشامل هو قول المعتزلة، الذي رده شيوخ الجويني، كابن كلاب والأشعري والباقلاني والبيهقي وغيرهم، وبذلك يصبح الجويني أول من ارتضى هذا التأويل الاعتزالي المشهور.

أما الصفات الخبرية فقسمان: ما عدا صفة الوجه والعين واليدين، فقد تأوله غالب الأشاعرة ومنهم أبو الحسن الطبري، والبغدادي والبيهقي وغيرهم ومشى على طريقتهم الجويني، وذلك مثل صفة القدم، والساق، والأصابع وغيرها، فالجويني ليس في مذهبه جديد في هذا، أما صفة الوجه والعين واليدين فجمهور شيوخ الجويني من الأشاعرة على إثباتها بلا تأويل، والذي أثر عنه تأويلها عبد القاهر البغدادي -كما سبق تفصيل ذلك- ولم يقل بقول البغدادي في تأويلها أحد من تلامذته، ومنهم البيهقي الذي أثبتها بلا تأويل، فلما جاء الجويني قطع بتأويلها، وإن كان قد رجع عن ذلك في النظامية، يقول الجويني في الإرشاد: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود" ثم شرح ذلك ورد على الذين يعتقدون أنها صفات لله تعالى لورود النصوص الصريحة بذلك، ثم يسوق الجويني كلامًا في الرد على شيوخه الأشاعرة المثبتين لهذه الصفات نهج فيه منهج المعتزلة الذين يصفون الأشاعرة حين يثبتون بعض الصفات دون بعض بأنهم متناقضون لأن مساق الصفات واحد فإما أن تثبت جميعًا أو تؤول جميعًا، يقول الجويني هنا: "ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات [أي صفات اليدين والعين والوجه] بظواهر هذه الآيات ألزمه سوق كلامه أن يجعل