للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما أن نفي الجهة لا يستقيم على أصولهم أيضًا، والجوني بهذا الأسلوب يبرز مذهب الأشاعرة على أنه أكثر أصالة وأقوى أدلة في نفي بعض الصفات، ونفى العلو عن الله تعالى -من المعتزلة- الذين هم أهل التجهم والتعطيل، وهذا منهج للجويني في إعلاء المذهب الأشعري يعتمد على أسلوب غريب، إذ لو أنه ذكر أن أصول المعتزلة لا تستقيم على نفي الصفات السبع، أو الرؤية أو أن القرآن كلام الله غير محلوق لكان هذا معتادًا غير مستغرب، أما أن يذكر أن أصولهم لا تستقيم على نفي العلو وإنما تستقيم الأدلة على أصولنا نحن الأشاعرة فهذا هو الذي يلفت الانتباه.

٦ - وفي مسألة أخبار الآحاد -وإفادتها للعلم ثم حجيتها في العقيدة- يسير الجويني في ركب غالب شيوخه في أنها لا تفيد العلم، وفي أحد المواضع في "التأمل" ذكر قولين أحدهما قول الباقلاني: إنه لا يقطع بها في القطعيات، والآخر قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني الذي ذكره قائلًا: "وذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أن الحديث المدون في الصحاح الذي لم يعترض عليه أحد من أهل الجرح والتعديل، هو مما يقضي به في القطيعات، وليس من أصله أنه يبلغ مبلغ التواتر، إذ لو بلغه لأوجب العلم الضروري، ولكنه مما يوجب العلم استدلالًا ونظرًا" ثم قال الجويني: "والصحيح في ذلك طريقة القاضي"، وفي البرهان كانت عبارة قاسية جدًّا فيمن يقول إن خبر الواحد العدل يفيد العلم، يقول: (ذهبت الحشوية من الحنابلة، وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على ذي لب".

ب- تأويله للاستواء وللصفات الخبرية:

في العرض السابق لأقوال شيوخ الأشاعرة -قبل الجويني- تبين أن تأويل هذه الصفات كان موجودًا قبل الجويني، وليس كما اشتهر من أنه أول من تأولها، ومع ذلك فللجويني مذهب متميز فيها، قرب فيه من مذهب المعتزلة.

ويوضح ذلك أن السابقين كابن فورك ومن بعده قالوا بنفي الجهة، ثم قالوا في الاستواء: إنه بمعنى العلو بالقهر والتدبير -كما يقول ابن فورك- أو على معنى الملك -كما يقول البغدادي- لكنهم أبطلوا تأويل المعتزلة استوي باستولى، فلما جاء الجوني ذكر أن الاستواء بمعنى الاستيلاء فقال: "لم يمتنع منا حمل فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك، واستعلى على الرقاب، وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم المخلوقات في ظن البرية، فنص تعالى عليه تنبيهًا بذكره على ما دونه، فإن قيل: الاستواء بمعنى الغبة ينبيء عن سبق مطامحه ومحاولة؟ قلنا: هذا باطل، إذ لو أنبأ الاستواء عن ذلك لأنبأ عنه القهر، ثم الاستواء بمعنى الاستقرار بالذات ينبئ عن اضطراب واعوجاج سابق، والتزام ذلك كفرأ، ثم ذكر أنه لا يبعد تفسير الاستواء بالقصد، ثم ذكر التفويض ورده. وأما في "التأمل" فذكر عدة أقوال فيه: منها التفويض مع القطع بنفي الجهات والمحاذيات، بحيث يكون الاستواء من الأسرار التي لا يطلع عليها الخلائق، والله تعالى مستأثر بعلمها، ثم قال: "ذهب بعضهم إلى أن المراد بالاستواء: الاقتدار