خالفهم في أن الكلام هو الكلام القائم بالنفس، ولتوضيح قول الجويني هذا ننقل ما ذكره الإيجي في المواقف- الذي يعتبر من أهم كتب الأشاعرة التي استقر عليها مذهبهم في القرون المتأخرة، يقول -حول صفة الكلام-: "وقالت المعتزلة: أصوات وحروف يخلقها الله في غيره، كاللوح المحفوظ، وجبريل أو النبي، وهو حادث. وهذا لا ننكره، لكننا نثبت أمرًا وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس ... ثم نزعم أنه قديم، لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، ولو قالت المعتزلة: إنه هو إرادة فعل يصير سببًا لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبره به، أو إرادته لما أمر به لم يكن بعيدًا -لكني لم أجده في كلامهم- إذا عرفت هذا فاعلم أن ما يقوله المعتزلة: وهو خلق الأصوات والحروف، وكونها حادثة قائمة فنحن نقول به، ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك، وما نقوله من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته".
فالجويني في نصه السابق يخفف من حدة المعركة بين الأشعرية والمعتزلة في مسألة خلق القرآن، ويصرح بأن المذهب الأشعري يعارض قول المعتزلة، ومن ثم فالخلاف معهم في أنهم لا يثبتون الكلام النفسي.
٢ - دفاعه عن المعتزلة فيما نقل من مذاهبهم، فمثلًا في مسألة التحسين والتقبيح العقلي الذي قال به المعتزلة يقول الجويني:"واضطرب النقلة عنهم في قولهم يقبح الشيء لعينه أو يحسن، فنقل عنهم أن القبح والحسن في المعقولات من صفات أنفسها ونقل عنهم أن القبح صفة النفس، وأن الحسن ليس ذلك، ونقل ضد هذا عن الجبائي، وكل ذلك جهل بمذهبهم، فمعنى قولهم يقبح ويحسن الشيء لعينه أنه يدرك ذلك عقلًا من غير إخبار مخبر"، ثم رد على المعتزلة في قولهم هذا وهذا يدل على اطلاعه على كتبهم، ومعرفته بأقوالهم.
٣ - وفي مسألة المخاطب إذا خص بالخطاب ووجه الأمر إليه وهو في حالة إتصال الخطاب به هل يعلم أنه مأمور، رجح الأشاعرة أنه يعلم، وقال المعتزلة: إنه لا يعلم إلا بعد مضي زمان الإمكان الذي يسعه فعل المأمور به، وقد رجح الجويني مذهب المعتزلة وقال "المختار ما عزي إلى المعتزلة في ذلك".
٤ - وللجويني صلة خاصة بكتب أبي هاشم الجبائي، الذي يرد في كتبه كثيرًا، وأقرب مثال على ذلك قول الجويني بالأحوال، وتأكيده على ذلك بعد أن ذكر تردد الباقلاني في القول بها، ومما يلاحظ أن الباقلاني لما قال بالأحوال لم يوافق أبا هاشم الجبائي في أن الحال لا معدومة ولا موجودة، ولا معلومة ولا مجهولة -كما سبق بيان قوله- لكن الجويني وافق الجبائي في عدم اتصاف الحال بالوجود والعدم، وإن قطع بأنها معلومة مقدورة مرادة، مع تفسير معين لهذه المعاني.
ومن الأدلة على صلة الجويني بأبي هاشم دفاعه عنه فيما نسب إليه في مسألة تعريف العلم، وأن علم المقلد هل يعتبر علمًا أو لا، يقول: "نقول: عقد المقلد إذا لم يكن له مستند عقلي فهو على القطع من جنس الجهل، وبيان ذلك بالمثال: إن من سبق إلى عقده أن زيدًا في الدار، ولم يكن فيها، ثم استمر العقد، فدخلها زيد، فحال المعتقد