للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يختلف وإن اختلف المعتقد، وعن ذلك نقل النقلة عن عبد السلام بن الجبائي -وهو أبو هاشم- أنه كان يقول: العلم بالشيء والجهل به مثلان، وأطال المحققون ألسنتهم فيه، وهذا عندي غلط عظيم في النقل، فالذي نص عليه الرجل في كتاب الأبواب: إن العقد الصحيح مماثل للجهل، وعني بالعقد اعتقاد المقلد".

وفي مسألة الصلاة في الدار المغصوبة ذكر قول أبي هاشم الجبائي: إنها لا تصح، وبعد كلام ذكر معارضته المعترضين لكلامه ثم قال: "وأبو هاشم لا يسلم ذلك ولا أمثاله، وليس هو ممن تزعه التهاويل"، ويذكر في إحدى المسائل أنه اطلع على مصنفاته.

د- صلته بالفلسفة وعلوم الأوائل:

لم يكن الجويني فيلسوفًا، أو متبنيًا لأفكار الفلاسفة، وإنما اطلع على كتبهم واستفاد منها في تأصيل المذهب الأشعري في بحوثه الكلامية ولذلك جاء تفكيره -كما عبر البعض- متسمًا بنزعة فلسفية عميقة، وتأثر الجويني بكتب الأوائل من الفلاسفة تمثل فيما يلي:

١ - نقوله عنهم، يقول في مسألة إحاطة الإنسان بأحكام الإلهيات وحقائقها: "أقصي إفضاء العقل إلى أمور جملية منها، والدليل القاطع في ذلك على رأي الإسلاميين: إن ما يتصف به حادث، وموسوم بحكم النهاية، يستحيل أن يدرك حقيقة ما لا يتناهى، وعبر الأوائل عن ذلك بأن قالوا: تصرف الإنسان في المعقولات بفيض ما يحتمله من العقل عليه، ويستحيل أن يدرك الجزء الكل، ويحيط جزء طبيعي له حكم عقلي بما وراء عالم الطبائع، وهذه العبارات وإن كانت مستنكرة في الإسلام، فهي محومة على الحقائق".

٢ - مسألة علم الله بالجزئيات، التي أثارت جدلًا بالنسبة للجويني، وهل وافق الفلاسفة في قولهم: إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات، والحق أن عبارة الجويني موهمة وذلك حين يقول: "وبالجملة علم الله تعالى إذا تعلق بجواهر لا تتناهى فمعنى تعلقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد وقد شنع عليه من العلماء الإمام المازري وقال: "إنما سهل عليه ركوب هذا المذهب إدمانه النظر في مذهب أولئك"، والجويني الذي قال العبارة الموهمة السابقة هو الذي يقول في نفس الكتاب "إن الرب تعالى كان عالمًا في أزله تفاصيل ما يقع فيما لا يزال " وهذا نص في إثبات علم الله بالجزئيات، ولذلك دافع السبكي -بحق- في طبقاته عن الجويني وأطال الكلام حول هذه المسألة وأنى بالنقول من كتب الجويني الأخرى كالشامل والإرشاد، كما نبه إلى النص الذي نقلناه آنفًا من البرهان وهي نقول تدل على إثباته لعلم الله بالجزئيات".

٣ - ومن معالم تأثره بالكتب الفلسفية ما هو واضح في منهجه من التحديد الدقيق للمصطلحات في كتبه، فهو قبل أن يبدأ في الكلام في أي باب يبدأ بتعريف المصطلحات والتعريفات، وتأخذ هذه المقدمات - أحيانًا - قسطًا كبيرًا من كتبه، وهذا المنهج الذي سلكه الجويني ظهر جليًا في كتب متأخري الأشعرية، حيث يصل الأمر أن تبلغ المقدمات أكثر من ثلثي الكتاب قبل أن يدخل المؤلف في المقصود من