الكتاب وهو البحث في الإلهيات، ومن الأمثلة على ذلك كتاب شرح المقاصد، والمواقف وشروحه.
هـ - الفقه وأصوله عند الجويني وعلاقة ذلك بمذهبه الكلامي:
يعتبر الجويني من أئمة الشافعية، وقد سبقت الإشارة إلى أنه كتب كتابًا يفضل فيه مذهب الشافعي ويرى أنه الأحق بالاتباع، وهو ما صرح به أيضًا في البرهان.
ومن الأمور الملفتة والبارزة في منهجه إدخاله مسائل المنطق والكلام في أصول الفقه، ولما كان كتابه من الكتب الأصولية المتقدمة فقد تأثر بمنهجه هذا من جاء بعده من الأشاعرة وغيرهم مثل الغزالي والرازي والآمدي وغيرهم.
يقول النشار في عرضه لمسألة إدخال المنطق الأوسطي في أصول الفقه:"أما الأشاعرة فقد احترزوا بأصولهم عن منطق أرسطوا، ونجد هذا واضحًا لدى عدو ممتاز اليوناني -أبي بكر الباقلاني- وهو شخصية ضخمة لم تبحث بعد، ولم يصل إلينا انتاجها الأصولي إلا خلال كتب المتأخرين أيضًا".
"ولكن ما لبث علم الأصول أن اتجه وجهة أخرى على يد إمام الحرمين (٤٧٨ هـ)، وقد كان المظنون أن إمام الحرمين سار على منهج المدرسة الكلامية الأصولية الأولى، إلا أنه تسنى لي بحث مخطوطة نادرة لكتاب "البرهان" فتبين لي أنه وإن كان إمام الحرمين خالف المنطق الأرسططاليسي في نقاط كثيرة إلا أنه تأثر به إلى حد ما، بل قد تجد عنده أول محاولة لمزج منطق أرسطو بأصول الفقه، فكما أنه خالف متكلمي أهل السنة في القول بالواسطة أولًا، ثم وافق أبا هاشم الجبائي في أقوال له كثيرة ... تراه يخالفهم أيضًا في محاولته مزج المنطق الأرسططاليسي في الأصول، ويمهد الطريق بذلك لتلميذه أبي حامد الغزالي"، وقد أدخل الجويني مسائل كلامية كثيرة في أصول الفقه ومنها صيغ الأمر، والكلام النفسي، وعلم الله، وتكليف ما لا يطاق، والاستطاعة، والمعجزة، والتحسين والتقبيح وغيرهما.
و- حيرة الجويني ورجوعه:
لما كان الجويني ممن خاض في مسائل علم الكلام كثر ممن سبقه، وما تميزت به شخصيته من استقلال واعتداد، بحيث لا يرى غضاضة في مخالفة شيوخه وتزييف أقوالهم أحيانًا ولوكانوا أعلامًا كالأشعري، والباقلاني، وابن فورك، وأبي إسحاق الإسفراييني وغيرهم، لهذا ولما يحسب من قصده الحق وتجرده فقد برز في كتبه ما يدل على تراجعه عن بعض أقواله، وانتهاء الأمر عنده إلى الحيرة ويمكن عرض الشواهد التالية من كتبه.
١ - في أثناء جواب الجويني عن المطاعن التي وجهت إلى اللمع للأشعري، ومنها استدلاله في إثبات حدث العالم بالنطفة وأنه لم يوضح الدلالة على حدثها القائم على إثبات الأعراض، وبعد مناقشات يقول الجويني: "ثم نقول: لا يتوقف ثبوت حدوث العالم على إثبات الأعراض، ولكن من علم تعاقب الأحوال المتناقضة على بعض الذوات، علم استحالة عروه منها، فهذا يفضي به إلى العلم محدث الذات، وإن لم يتعرض لكون الأحوال موجودات وكونها أغيارًا للذات، فلم