للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وما أحسن اشتراطه العلم ومعرفة مدلولات الألفاظ، فلقد وقع كثيرون لجهلهم بهذا.

وفي كتب المتقدمين جرح جماعة بالفلسفة، ظنًّا منهم أن علم الكلام فلسفة، إلى أمثال ذلك مما يطول عدُّه.

فقد قيل في أحمد بن صالح الذي نحن في ترجمته: إنه يتفلسف. والذي قال هذا لا يعرف الفلسفة.

وكذلك قيل في أبي حاتم الرازيّ، وإنما كان رجلًا متكلمًا.

وقريب من هذا قول الذهبي في المِزِّيّ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة المزيّ في الطبقة السابعة أن يعرف مضايق المعقول، ولم يكن المِزِّيّ ولا الذهبي يدريان شيئًا من المعقول.

والذي أفتي به، أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبيّ في ذم أشعريٍّ ولا شكر حنبليٍّ. والله المستعان".

وقال السبكي خلال ترجمته لأبي الحسن الأشعري (٣/ ٣٥٢): "وأنت إذا نظرت ترجمة هذا الشيخ، الذي هو شيخ السنة وإمام الطائفة في "تاريخ شيخنا الذهبي"، ورأيت كيف مزَّقها، وحار كيف يصنع في قدْره، ولم يمكنه البَوْحُ بالغَضِّ منه، خوفًا من سيف أهل الحق، ولا الصبر عن السكوت، لما جُبلت عليه طوَّيته من بُغضه، بحيث اختصر ما شاء الله أن يختصر في مدحه، ثم قال في آخر الترجمة: من أراد أن يتبحر في معرفة الأشعري فعليه بكتاب "تبين كذب المفتري" لأبي القاسم ابن عساكر، اللهم توفَّنا على السنة وأدخلنا الجنة، واجعل أنفسنا مطمئنة، تحب فيك أولياءك، ونُبغض فيك أعداءك، ونستغفر للعصاة من عبادك، ونعمل بمُحكم كتابك، ونؤمن بمُتشابهه، ونصفك بما وصف به نفسك، انتهى.

فعند ذلك تقضي العجب من هذا الذهبيّ، وتعلم إلى ماذا يشير المسكين! فويحه ثم ويحه.

وأنا قد قلت غير مرة: إن الذهبي أستاذي، وبه تخرَّجت في علم الحديث، إلا أن الحق أحقُّ أن يُتبع، ويجب على تبيين الحق، فأقول:

أما حوالتك على "تبيين كذب المفتري" وتقصيرك في مدح الشيخ، فكيف يسعك ذلك؟ مع كونك لم تترجم مجسِّمًا يشبِّه الله بخلقه إلا واستوفيت ترجمته، حتى إن كتابك مشتمل على ذكر جماعة من أصاغر المتأخرين من الحنابلة، الذي لا يُؤبه إليهم، وقد ترجمت كل واحد منهم بأوراق عديدة، فهل عجزت أن تعطيَ ترجمة هذا الشيخ حقها وتترجمه، كما ترجمت من هو دونه بألف ألف طبقة، فأيُّ غرض وهوى نفس أبلغ من هذا؟ وأقسم بالله يمينًا برَّه ما بك إلا أنك لا تحب شياع اسمه بالخير، ولا تقدر في بلاد المسلمين على أن تفصح فيه بما عندك من أمره، وما تضمره من الغَضِّ منه، فإنك لو أظهرت ذلك لتناولتك سيوف الله؛ وأما دعاؤك بما دعوت به فهل هذا مكانه يا مسكين؟ وأما إشارتك بقولك "ونبغض أعداءك" إلى أن الشيخ من أعداء الله، وأنك تبغضه، فسوف تقف معه بين يدي الله تعالى، يوم يأتي وبين يديه طوائف العلماء من المذاهب الأربعة، والصالحين من الصوفية، والجَهابذة الحفّاظ من المحدثين، وتأتي أنت تتكَّسع في ظلم التجسيم، الذي تدّعي أنك