وكان رجل جد وامرأ صدق في أقواله وأفعاله، وكان متصفًا بما يجب أن يتصف به جلة العلماء من دأب على التحصيل ورحلة في سبيل العلم وملازمة الشيوخ، كان يحب الجد في الأمر كله، ويبتعد عن سفاسف الأمور والمزاح.
وكان عف اللسان والقلم، يتجنب الألفاظ المخجلة والكلمات النابية ويدل على ذلك أنه كان يغير في الشعر ما يقبح" أ. هـ.
قلت: قال الدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه "ابن جني النحوي" صفحة (٥٢): (من الثابت أن ابن جني كان معتزليًا، تتردد آراؤه في الاعتزال في كتبه وتطبع بحث أحيانًا. ومما يدل على اعتزاله:
١ - ما جاء في (الخصائص): الحمد لله الواحد العدل القديم، وفي مكان آخر، أنه أراد به عنصر القديم، وفي مكان آخر يقول: وكذلك أفعال القديم سبحانه، وغير ذلك.
وتأكيد أن "القدم" من أخص معتقدات المعتزلة، قال صاحب (الملل والنحل) والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد والقول بأن الله تعالى قديم و"القدم" أخص وصف ذاته ونفوا الصفات القديمة أصلًا وقال الجمهور غير المعتزلة إنه عالم بعلم وحي بحياة وقادر بقدرة وإن هذه الصفات قديمة معه.
٢ - جاء في (الخصائص): وكذلك أفعال القديم سبحانه نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله ألا ترى أنه عز اسمه لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا ولو كان حقيقة لا مجازًا لكان خالقًا للكفر والعدوان وغيرهما من أفعالنا عز وعلا.
وهذا رأي المعتزلة جاء في (مقدمة في أصول التفسير): وأما عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله لا خيرها ولا شرها.
واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها.
وأن الله تعالى ليس خالقًا لأفعال العباد.
٣ - جاء في (الخصائص): فأما قوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فحقيقة لا مجاز وذلك أنه سبحانه ليس عالمًا بعلم فهو إذن العليم فوق ذوي العلوم أجمعين ويقول أيضًا، ولسنا نثبت له سبحانه علمًا لأنه عالم بنفسه.
وهذا رأي المعتزلة ويسمى التوحيد عندهم، ومضمونه نفي الصفات ... وأنه (سبحانه) لا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع وإنما هو عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته لا بعلم ولا قدرة وحياة.
٤ - المنزلة بين المنزلتين -عقد في (الخصائص) بابا (في الحكم يقف بين الحكمين) محاولًا تطبيق هذا المبدأ على مسائل نحوية كالكسرة قبل ياء المتكلم في نحو (غلامي) أهي حركة إعراب أم بناء؟ وما فيه اللام والإضافة نحو (الرجل وكلامك) أهو منصرف أم غير منصرف؟ وغير ذلك، وقرر أن هذه منزلة بين المنزلتين ولا شك أن هذا مبدأ معتزلي.
٥ - قال في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} حتى ذهب بعض هؤلاء الجهال في قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أنها ساق ربهم ويقول أيضًا "فأما قول من طغى به جهله وغلبت