أكان شعوبيًا أم مفضلًا للعرب على غيرهم؟
لقد علمنا أن ابن جني لم يكن عربيًّا في النسب وإن كان عربي المنشأ والثقافة، ولكن كان روميًا يونانيًا. وهو يذكر ذلك في أبياته التي نقلناها عنه:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرم الدهر ذو الخطب
ألاك دعا النبي لهم ... كفى شرفًا دعاء نبي
أفكان شعوبيًا يبغض العرب والعربية، أم كان يحبهم ويفضلهم؟
نستطيع أن ننظر إلى هذا الأمر من ناحيتين:
أ- موقفه من العرب.
ب- موقفه من العربية.
أ- أما موقفه من العرب فإنه موقف الحب والإعجاب والتقدير البالغ لهم. وهو يكرر هذا الأمر في كثير من المناسبات في كتبه ومن أمثلة ذلك:
١ - جاء في (الخصائص): فإن قلت ومن أين يعلم أن العرب قد راعت هذا الأمر واستشفته وعنيت بأحواله وتتبعه حتى تحامت هذه المواضع التحامي الذي نسبته إليها وزعمته مرادًا لها؟ وما أنكرت أن يكون القوم أجفى طباعًا وأيبس طينًا من أن يصلوا من النظر إلى هذا القدر اللطيف الدقيق الذي لا يصح لذي الرقة والدقة منا أن يتصوره إلا بعد أن توضح له أنحاؤه بل أن تشرح له أعضاؤه.
قيل له: "هيهات ما أبعدك عن تصور أحوالهم وبعد أغراضهم ولطف أسرارهم".
٢ - وجاء في (الخصائص) - قيل: لن يخلو ذلك أن يكون خبرًا روسلوا به أو تيقظًا نبهوا على وجه الحكمة فيه. فإن كان وحيًا أو ما يجري مجراه فهو أنه له واذهب في شرف الحال به لأن الله سبحانه إنما هداهم لذلك ووقفهم عليه لأن في طباعهم قبولًا له وانطواء على صحة الوضع فيه لأنهم مع ما قدمناه من ذكر كونهم عليه في أول الكتاب من لطف الحس وصفائه ونصاعة جوهر الفكر ونقائه لم يؤتوا هذه اللغة الشريفة المنقادة الكريمة إلا ونفوسهم قابلة لها محسة لقوة الصنعة فيها معترفة بقدر النعمة عليهم بما وهب لهم منها.
٣ - وجاء في (الخصائص) عن أعرابي قرأ (طوبى) (طيبي) ولم ينفع معه التكرار في قراءتها (طوبى)، أفلا ترى إلى هذا الأعرابي وأنت تعتقده جافيًا كزًا لا دمثًا ولا طبعًا كيف نبا طبعه عن ثقل الواو إلى الياء فلم يؤثر فيه التلقين ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هزّ ولا تمرين وما ظنك به إذ خلي مع سومه وتساند إلى سليقته ونجره؟ ".
ب- حبه للعربية -وكما كان محبًا للعرب كان ممتلئا حبًا للعربية وهو يكرر ذلك في مواطن كثيرة بحيث لا يبقى للقارئ في كتبه أي شك في إعجابه الكبير بها ومن أمثلة ذلك: