رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري (١/ ١٠٢)، (إن أبا عمرو الداني كان في عقيدته من أهل السنة والجماعة متمسكًا بمذهب السلف الصالح فيما يخص المسائل العقيدية، وقد صرح بسنيته ابن بشكوال وتناقله المؤرخون المترجمون له من أمثال الذهبي وابن الجزري وغيرهما مقرين له.
ولا أدل على إلتزامه بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة وتمسكه بمذهب السلف في المسائل العقيدية من أرجوزته التي نظمها في أصول السنة -وقد نقلنا بعض الأبيات منها- يتضح منها موقفه الموافق للسلف في جملة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة الإسلامية وعلى رأسها مسألة توحيد الأسماء والصفات التي قد زلت فيها أقدام كثيرين من النّاس حيث ذهبت بهم الفلسفة الهندية واليونانية الغازية ووليدتها المسماة بعلم الكلام إلى متاهات تاهوا فيها بغير هدى وسلطان ونرى المؤلف أنه أوضح في أرجوزته المذكورة موقفه المتمثل في إثبات الصفات لله تعالى على طريقة السلف).
وقال في صفحة (١/ ١٠٦): (كما وضح المؤلف فيها موقفه الموافق لما كان عليه السلف في مسائل أخرى عقيدية، منها ما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه، وبعذاب القبر والمنكر والنكير، وموالاة الصحابة - رضي الله عنه - وأن أفضلهم الصديق ثم الفاروق ... وكذلك ما يتعلق بقبول خبر الواحد إذا كان رواته من الثقات العدول، وحذر فيها من أصحاب البدع والأهواء، فقال:
أهْون بقول جَهْم الخسيس ... وواصل وبشْر المَريِسي
ذي السُّخْف والجهل وذي العِنَادِ ... مُعَمَّر وابن أبي دُوَاد
وابن عُبَيدٍ شيخ الاعتزال ... وشارعِ البدعة والضلال
وهكذا عدد الكثير من كبراء الجهمية والمعتزلة ووصى النّاس بأخذ الحيطة والحذر منهم.
وهذه الأرجوزة قد وصفها الذهبي بقوله "الأرجوزة السائرة" مما يدل على أنها مشهورة إلى عصره، ونوجد منها نسخة خطية في الخزانة الملكية بالرباط (رقم ٥٤٥٩)، وقد قام مؤخرًا بتحقيقها وكاك الحسن المغربي، وحصل به على شهادة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط، والجدير بالذكر أن بعض الباحثين يذكرون للمؤلف أرجوزتين، إحداهما باسم "أرجوزة في أصول السنة" والثانية باسم "الأرجوزة المنبهة .. ".
والصواب أنهما أرجوزة واحدة، وهي المسماة بالمنبهة، وهي في أصول السنة وأصول القراءات والقراء السبعة ورواتهم، كما أفادني بذلك الدكتور وكاك الحسن في رسالة خاصة بعث بها إلي، وذكر فيها أنه ردّ على أولئك الذين جعلوها اثنتين.
وأما الفضل في تمسك المؤلف بعقيدة السلف فهو -فيما يبدو لي- يعود بعد الله تعالى إلى شيوخه الذين تلقى عنهم العلم في حلّه وترحله،