وهم جميعًا من المتمسكين بالعقيدة السلفية، ولم يوجد فيهم -حسب تتبعي- من عرف بميلانه عن جادة الحق أو بانحرافه عن العقيدة السليمة، وعلى رأس هؤلاء الشيوخ أبو عبد الله بن أبي زمنين (ت ٣٩٩ هـ) صاحب كتاب أصول السنة.
سبق أن أشرت إلى شدة تعلقه به، وأن له تأثيرًا في تكوين وجهاته العلمية، وقد كان هذا الرجل من أشد النّاس تمسكًا بعقيدة السلف، وأكثر النّاس ابتعادًا عن أقوال المبتدعة والمنحرفين، ومن شدة تحريه في هذا الباب أنه ابتعد في كتابه عن عرض شبه الفرق الضالة المنحرفة، وتجنب ذكر أقوالهم حتى لا يسطر كلامهم ويخلد في الكتب، وقد صرح بذلك هو نفسه في كتابه.
والفضل في ذلك يرجع أيضًا إلى البيئة التي نشأ فيها الداني، فقد كانت هذه البيئة على الفطرة السليمة، ولم تكن نعرف الفلسفة وعلم الكلام وهما اللذان يفسدان على النّاس دينهم وعقيدتهم غالبًا.
وقد أشار إلى هذا الذهبي، إذ ذكر دخول علم الكلام ورأى الأشعري في المغرب بواسطة أبي ذر الهروى وأنه هو الذي حمله عنه المغاربة، ثم قال بعده: "وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام بل يتقنون الفقه والحديث والعربية ولا يخوضون في المعقولات .. ". وذكر جماعة من العلماء ممن كانوا على ذلك، منهم المؤلف وابن عبد البر وأبو عمر الطلمنكى.
وأما مذهبه في الفروع فقال المُغامي: "وكان أبو عمرو مالكي المذهب" وهو بنفسه يدعو صراحة في أرجوزته المذكورة إلى الاعتماد على الإمام مالك منوهًا به وبأحد الأصول التي بني عليها المذهب المالكي، ألا وهو عمل أهل المدنية، فيقول:
تدري أخي أين طريق الجنة ... طريقها القرآن ثم السنة
كلاهما ببلد الرسول ... وموطن الأصحاب خير جيل
فاتبعَنْ جماعة المدينة ... فالعلم عن نبيهم يروونه
وهم فحُجة على سواهم ... في النقل والقول وفي فتواهم
واعتمدن على الإمام مالك ... إذ قد حوى على جميع ذلك
في الفقه والفتوى إليه المنتهى ... وصحة النقل وعلم من مضى
ولا نظن بالمؤلف أنه دعا النّاس بهذا الكلام إلى حصر الاتباع في الإمام مالك رحمه الله تعالى، فإن ذلك ليس لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعل قصده بهذا دعوتهم إلى الاستنارة بفقه الإمام مالك في الفروع، وأما تنويهه بعمل أهل المدينة فهو مما اختلف فيه علماء الأصول، وهو مبسوط في موضعه من كتب الأصول، والجمهور على أن إجماعهم ليس بحجة، لأن الإجماع المعتبر إجماع مجتهدي أمة محمّد - صلى الله عليه وسلم - وليس أهل المدينة هم كل المجتهدين) أ. هـ.
من أقواله: ومن شعره في أرجوزته السائرة: