وجدنا الوزير السني المقيض لرفع لواء هذا المذهب (نظام الملك) يحتفي بالواحدي ويكرمه ويعظمه وكذا أخوه من بعده وكان حقيقًا بهذا الاحترام والإعظام، لما قام به من جهد في نصرة مذهب أهل السنة والجماعة في وقت تظاهر فيه أهل البدع باللسان والسنان والسلطان واستطار شرار الفتن الدامية التي عرضنا لها في تصوير الحالة الدينية في عصره.
فلم يقف الواحدي مكتوف الأيدي، كما أنه لم يندفع في أتون الفتنة، بل خلد إلى قلمه ومحبرته وقرطاسه وأطلق سهامه النارية بقلمه في صدور الملاحدة ودعاة الفرقة المذهبية".
وقال أيضًا (ص ٣٦٧): "حينما نطل على الجانب الكلامي من تفسير الواحدي فإننا نقف من خلاله على حقيقة لا تقبل الشك، وهي أن أبا الحسن الواحدي كان - بحق - أحد حماة المذهب السني الأشعري، وفارسًا من فرسان حلبته المغاوير الذين ذادوا عن عرين عقيدته ومبادئه في القرن الخامس الهجري، حيث بلغت الصراعات المذهبية والفتن الدينية ذروة احتدامها وإشتغالها وكان الجانب الأعظم من تلك الفتن والصراعات قائمًا بين أهل السنة والأشاعرة من جانب وبين المعتزلة والشيعة من جانب آخر، وكم لقى أهل السنة في مطلع القرن الخامس من اضطهاد الشيعة والمعتزلة الذين كان يؤازرهم ويناصرهم حكام البويهيين، حيث كانوا يدينون بالتشيع والاعتزال، فانتشرت مبادئهم بالتسلط والإرهاب.
بيد أن الله جلت قدرته قد قيض للحق من يذود عن كلمته وينافح عن مبادئه باللسان والسنان، فكانت هبة السلطان محمود الغزنوي على أهل البدع ثم سلاطين السلاجقة من بعده، وفي ذات الوتت برز أساطين وأعلام من أئمة الأشاعرة قاموا بتطهير العقول والقلوب من البدع والأهواء فكان في طليعتهم في هذا العصر: أبو إسحق الإسفراييني وإمام الحرمين وأبو بكر بن فورك وأبو منصور البغدادي ثم حجة الإسلام الغزالي وغيرهم.
وقد تلقى الواحدي عن كابر متكلمي هذا العصر كالإمام الإسفراييني وعبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت: ٤٢٩ هـ) صاحب (الفرق بين الفرق) وغيرهما من كبار علماء الكلام، وتخرج على أيديهم إمامًا يجله العلماء والحكماء، وكفى دلالة على مكانته ونصرته لمذهبه أن نظام الملك -نصير أهل السنة- كان يلحظه بعين الإعزاز والإكرام كما ذكر ياقوت وما ذاك إلا لكون الواحدي - فوق منزلته العلمية - واحدًا من حماة مذهب الأشاعرة الذين ردوا سهام المبتدعة إلى نحورهم ونصروا دعوة الحق بالعلم.
ولقد وجد الواحدي في تفسيره أصلح مجال وأرحب ميدان لنصرة عقيدته ومذهبه، ورد شبه المارقين وكشف ضلالات المحرفين لمعاني التنزيل وفق آرائهم ومبادئهم، فاستعان بخبرته العظيمة في فهم أسرار لغة القرآن وإدراك معانيه وعمق النظر في تفحص مراميه على درء خطر التأويلات المذهبية الفاسدة وإقرار مبادئ مذهب أهل السنة والجماعة من منطلق قرآني مستقيم وفي إطار مقاييس اللغة وضوابطها وفي ضوء فهم السلف لمعاني التنزيل من خلال ما أثر عنهم من