للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تفسير وتبيان.

والحق أن أبا الحسن الواحدي -كما سنرى في معالجاته الكلامية- قد أضاف بعدًا جديدًا وجانبًا خصبًا إلى أبعاد وجوانب شخصيته العلمية، حيث تجلى مراسه العقلي، ونضجه الفكري وقدرته الجدلية المنطقية في ثبات أصول مذهبه السني الأشعري وتقرير مبادئه ثم في إبطال مزاعم الفرق المبتدعة التي كانت تناهض مذهب أهل السنة والجماعة وكان على رأسها، وأشدها خطرًا فرقة المعتزلة القدرية التي اقتحمت بمبادئها إقليم خراسان بمناصرة ملوك ووزراء بني بويه ففرضت مذهبها فرضًا، وطوع علماؤها نصوص التنزيل لمبادئهم فصنفوا في التفسير مصنفات تبلغ عشرات الجلدات حافلة بالتأويلات الاعتزالية كما فعل القاضي عبد الجبار وأبو مسلم الأصفهاني والشريف الرضى وغيرهم.

ومن ثم تعينت فرضية الدفاع عن عقيدة أهل السنة على مفسريهم مثلًا بمثل، بل وأوفى في الكيل وبنفس المنهج العقلي اللغوي الاستنباطي حق على مفسري أهل السنة أن يميطوا عن حرم التنزيل أذى التأويلات البدعية، فكانت القضية، وكان لها أبو الحسن الواحدي، فقد ذاد بحق عن عرينه وطهر ساحة التنزيل من فساد الرأي وشطط التأويل.

وحين نسلط ضوء البحث على الجانب الكلامي في تفاسير الواحدي نجده يتمثل في نمطين رئيسيين:

أحدهما: النمط التقريري الابتدائي، وهو ما يعني فيه بتقرير أصول العقيدة وفق منهج أهل السنة الأشاعرة دون نظر إلى مزاعم الفرق المضادة في تأويل النص القرآني.

وثانيهما: وهو الطابع الأعم والأغلب في تفسيره: النمط الجدلي، وهو ما يعني فيه عناية بالغة بتفنيد شبه خصومه المعتزلة وإبطال مبادئهم وتأويلاتهم لآي التنزيل وفق أصولهم الاعتقادية، وفي هذا الجانب أبرز أبو الحسن الواحدي مقدرته وطاقته العقلية واستغل تبحره اللغوي أبرع استغلال في تجسيد معطيات النص ولفظ كل دخيل عليه في التأويل.

فمن أمثلة النمط التقريري الذي نقف عليه في تفسير الواحدي: بيانه لصفة الوحدانية لله تعالى عند تفسير قوله سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} قال في تفسيره (البسيط):

(قال أصحابنا: حقيقة الواحد في وصف الباري سبحانه، أنه واحد لا قسيم له في ذاته، ولا بعض له في وجوده، بخلاف الجملة الحاملة التي يطلق عليها لفظ الواحد مجازًا، كقولهم دار واحدة وشخص واحد، ولهذا قال أصحابنا: التوحيد هو نفي الشريك والقسيم والشبيه، فالله سبحانه وتعالى واحد في أفعاله لا شريك له يشاركه في إثبات المصنوعات، وواحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا يشبه الخلق فيها).

في هذا النص الوجيز: قدم لنا الواحدي خلاصة عقيدة أهل السنة في صفة الوحدانية، الشاملة لوحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال، واستجمع أركان هذه الوحدانية الشاملة في عبارة أصحابه الأشاعرة: