التوحيد نفي الشريك والقسيم والشبيه، وفرع عن كل ركن متعلقه في شمول وإحكام جامعين مانعين.
ونجده في تفسيره (الوسيط) يعرض لمبحث رؤية الباري سبحانه وتعالى عند قوله عزَّ وجلَّ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ... } فيقول: (الإدراك: الإحاطة بكنه الشيء وحقيقته، وهو غير الرؤية، لأنه يصح أن يقال: رآه وما أدركه، فالأبصار ترى الباري ولا تحيط به، كما أن القلوب تعرفه ولا تحيط به، قال الله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} قال ابن عباس - في رواية عطاء - كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به، وقال سعيد بن المسيب، لا تحيط به الأبصار. وعلى هذا التفسير نقول:
إن الباري سبحانه يُرَى ولا يُدْرَك، لأن معنى الإدراك الإحاطة بالمرئي، وإنما يجوز ذلك على من كان محددًا وله جهات.
وذهب جماعة من أهل التفسير إلى تخصيص هذه الآية، قال ابن عباس - في رواية أبي صالح - تنقطع عنه الأبصار في الدنيا، وقال مقاتل: لا تراه الأبصار في الدنيا وهو يُرى في الآخرة.
والدليل على أن هذه الآية مخصوصة بالدنيا.
قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقيد النظر إليه بيوم القيامة وأطلق في هذه الآية، والمطلق يحمل على المقيد، أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، أخبرنا أبو بشر محمّد بن عمران بن الجنيد، حدثنا أبو بكر الصفار البصري، حدثنا عباد بن صهيب عن عمر وعن الحسن في قوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة واحتج بقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: ينظرون إلى وجه الله عزَّ وجلَّ).
في هذا المبحث الكلامي الذي عرض له الواحدي في هذا النص: نجده يبني موقفه على أساسين رئيسيين: أولهما دلالة اللغة، وثانيهما: النظرة السلفية، فاللغة نقول إن الإدراك غير الرؤية لأن معناه الإحاطة، ومن ثم فهي لا تنتفي بانتفائه، وقد استعمل السلف الإدراك على معنى الإحاطة في صريح كلامهم، وإذا ما حمل معنى الإدراك على الرؤية: كان هناك منطلق آخر لفهم النص وهو حمل المطلق في هذه الآية - وهو انتفاء الرؤية - على المقيد في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} حيث قيد النظر إليه تعالى بيوم القيامة في دار الكرامة، وقد عزز الواحدي حمل المطلق على المقيد بما ورد عن السلف، حيث روى بسنده عن الإمام الحسن قوله: يراه أهل الجنة في الجنة، جعلنا الله تعالى في زمرتهم.
وإذا: فقد عرض الواحدي لهذه المسألة وفقًا لمذهبه السني الأشعري ومن منطلق سلفي بحت، وأوردها على النمط التقريري الابتدائي، حيث لم يشر إلى معارضيه من المعتزلة أو غيرهم ولم يتخذ موقفًا جدليًا كما فعل في مواقفه الأخرى.
كذلك نجد من المباحث التي طرقها الواحدي أيضًا: مبحث النبوات، فقد تناول مسألة العصمة للأنبياء والرسل قبل البعثة والوحي وبعدهما في أكثر من موضع في تفسيره، فمن ذلك ذكره في (البسيط) عند تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ