المتعصب هو أم الإمام الذهبي؟ فدونك كتب الإمام الذهبي وكتاب طبقات الشافعية للسبكي؛ لتحكم على ذلك، وعندها ستعلم علم اليقين أن السبكي هو المتعصب الغالي لمذهبه الأشعري.
وأن الإمام الذهبي قد ترجم للأشعري ترجمة وافيه في كتابه "تاريخ الإسلام" لا كما زعم السبكي، وكذلك في كتابه "سير أعلام النبلاء".
قلت:(أبو الحسن الأشعري صاحب العقيدة المشهورة غني عن التعريف فقد أسهبت كتب التراجم -فضلًا عن الكتب التي تناولته بالتفصيل- في التعريف به وبعقيدته ومن هم شيوخه وتلامذته وما هي كتبه ومؤلفاته ولعل المسألة المهمة التي يجب أن نتطرق إليها ونحن نترجم لأبي الحسن الأشعري هي مسألة الأطوار (العقدية) التي مرّ بها الأشعري.
فالشيخ أبو الحسن الأشعري مرّ في حياته بأطوار، منها ما هو متفق عليه بين العلماء والمترجمين له، ومنها ما وقع حوله خلاف، وقد شغل الناس قديمًا وحديثًا في هذا الأمر، ولا شك أن التطور الذي حدث لمذهب الأشعرية - بعد الأشعري - كان من أسباب طرق هذا الموضوع الذي يتصل بمؤسسه ومن ينتسبون إليه؛ وذلك من خلال علاقته ودوره في هذا التطور الذي حدث للمذهب الأشعري، وشيء آخر وهو محاولة الدفاع عن هذا المذهب من خلال بيان سلامة عقيدة من ينتسبون إليه ورجوعه إلى مذهب السلف.
وسيكون الكلام حول هذا الموضوع من خلال ما يلي:
أ- طور الأشعري الأول، المتفق عليه:
لم يشك أحد في أن الأشعري نشأ على مذهب المعتزلة، وأنه أقام على ذلك فترة طويلة من الزمن وليس أدل على ذلك من اعترافه هو حين قال في كتابه "العمد" يعدد مؤلفاته: "وألفنا كتابًا كبيرًا في الصفات عن مسائل أهل الزيغ والشبهات، نقضنا فيه كتابًا كنا ألفناه قديمًا فيها على تصحيح مذهب المعتزلة، لم يؤلف لهم كتاب مثله، ثم أبان الله سبحانه لنا الحق فرجعنا عنه، فنقضناه وأوضحنا بطلانه، وفي هذا النص نلمح للمستوى الذي وصل إليه في مرحلة الاعتزال، وكيف أنه صار يؤلف الكتب على مذهبهم بل أن هذا الكتاب المنقوص يذكر أنه لم يؤلف للمعتزلة مثله.
ب - رجوعه عن الاعتزال وتاريخه وأسبابه:
أعلن الأشعري رجوعه عن الاعتزال، فقد غاب في بيته ثم خرج إلى الناس بعد صلاة الجمعة وأعلن رجوعه عليهم، وأنه يتبرأ من جميع أقواله السابقة وأظهر بعض مؤلفاته الجديدة، والملاحظ أن مترجمي الأشعري يشيرون إلى أن مدة مقدمه في الاعتزال أربعون سنة، فإذا كان الأشعري ولد سنة (٢٦٠ هـ) والجبائي توفي سنة (٣٠٣ هـ) ورجوع الأشعري كان قبل وفاة الجبائي لأن الجبائي نفسه ردّ على الأشعري، فالأولى أن يعتبر هذا الكلام تقريبًا وأن المقصود أن رجوع الأشعري كان وهو قريب من الأربعين في عمره، ولذلك عبر المقريزي في خططه (٢/ ٣٥٩) بأن إقامة الأشعري في الاعتزال كانت عدة سنين.