بالبعث، وأن الله تعالى يجزي الصابرين على قدر استحقاقهم ثم إن الصبر على جهات مختلفة: فما كان على فعلى الله تعالى فهو بالتسليم والرضا، وما كان من فعل العدو فهو بالصبر على جهادهم، والثبات على دين الله تعالى لما يصيبهم من ذلك ...
وربما ترقى الأمر بالصابر المكفر في الدنيا إلى أن لا يحب البقاء فيها وهو الزهد في الدنيا، والرضا بفعل الله تعالى، عالمًا بأنه صدر من عند من لا يتهم عدله، ولا يصدر عن غير الحكمة فعله، وأنه لا يجوز أن يفوته ما قدر لحوقه به ومن علم أن لكل مصيبة ثوابًا فينبغي أن لا يحزن لها".
ويُلحظ هنا أن الهراسي يناصر مذهب أهل السنة القائل بوجوب الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن الإيمان بالقدر يعني الإيمان بعلم الله القديم، والايمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة.
فقد قال الطحاوي: "وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئته العباد إلا ما شاء الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره".
وقد تكلم بعد ذلك عن بيان مذهب أهل السنة فيمن قذف عائشة -رضي الله عنها-، وكذلك عن ردوده على المعتزلة ومناصرة مذهب أهل السنة والجماعة، وتكلم عن ردوده على الرافضة ومناصرة مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد توصل إلى النتيجة التالية:
من كل ما تقدم يظهر لنا موقف الإمام الهراسي من المعتزلة والشيعة واعتراضه على أقوالهما ومناصرته لمذهب أهك السنة والجماعة، والذي يظهر من هذا الكتاب أن الهراسي لم يتعرض لتأويل الصفات، بحيث لا يبدو من كلامه مذهب الأشعري، واكتفى بإظهار مذهب أهل السنة في المسائل العقدية المختلفة، بل أن تعرضه للمسائل العقدية كان قليلًا، وذلك لأن هذا الكتاب يهتم بالتفسير الفقهي، أضف إلى ذلك حرص الهراسي على إخراج هذا الكتاب متوسط الحجم بعيدًا عن القضايا التي لا تخدم موضوع الكتاب وهو التفسير الفقهي" أ. هـ.
ومن كتاب "موقف ابن تيمية من الأشاعرة": نذكر ما نصه: "وشيخ الإسلام يوضح مسألة خطيرة طالما وقع في الإنحراف فيها أناس كثيرون ممن تشيعوا بعلم الكلام والفلسفة حيث يظنون أن القرآن كتاب عظيم، لا شك في ثبوته، ولكنه كتاب إيمان وتسليم، وقد وصل الأمر باحد أعلام الأشاعرة - وهو أَبو الحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي -أو بعض نظرائه من تلاميذ الجويني أن يقول: وفي القرآن حجاج، وإن لم يكن فيه الغلبة والفلج، غير أن العامي يكتفي به، كقوله تعالى:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}[ق: ١٥] وليس من أنكر الحشر ينكره لأجل العياء، وكذلك قوله تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ}[النحل: ٦٢]، {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى}[النجم: ٢١]، وليس هذا يدل على نفي الولد قطعًا فمبادئ النظر كافية لهم أ. هـ.
ويتعجب الإنسان أشد العجب من هذا الكلام، ولذلك يرد عليه شيخ الإسلام بقوله: وأما ما ذكره من أن الحجاج الذي في القرآن يكتفي به العامي، وإن لم يكن فيه الغلبة والفلج فهذا