هذا الأمر عند بيانه لقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} وَحتى {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٦٤] قال: "بيان توحده في أفعاله وأمر لنا بالإستدلال بها ... وأعلم أن الدلالة الأصلية على الصانع، إثبات حدوث الأجسام والجواهر، أما قوله تعالى على التفصيل:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فهو من جهة وقوت السماء على غير محمّد، ودلالة ذلك من جهة السكون أو الحركة.
وفيه شيء آخر، وهو أن وقوت الثقيل بلامساك يقله تتعجب منه العامة، مع أن الثقل لا معنى له إلا اعتمادات يخلقها الله تعالى وليس يجب هوى الجرم، وذهابه في جهة دون جهة، من جهة كثرة الأجزاء وقلتها غير أن وقوت العظيم غير هاو متعجب منه عند من لا يعرف السبب فيه.
ولا سبب للسكون إلا خلق الله تعالى السكون فيه، ولا يقف حجر في الهواه من غير علاقة، ودل ذلك على القدرة وخرق العادة، ولو جاء في وتحدى بوقوف جبل في الهواء دون علاقة كان معجزًا.
أما اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما على سنن واحد يدل على أول، لاستحالة حوادث لا أول لها.
ودل اتساق هذه الأفعال وحركات الفلك على أن لها صانعًا عالمًا قادر) يدبرها ويديرها.
ودلالة الفلك من جهة أن الجسم السيال كيف يحمل الثقيل العظيم؟ وكيف صار الفلك على عظمه وثقل ما فيه مسخرًا للرياح، وذلك يقتضي مسخرًا يسخر الفلك والماء والرياح ... ".
ويستمر الهراسي في ذكر الدلائل الكونية، ويبين عظمتها ليستدل بها على وحدانية الله تعالى الخالق المدبر لها، فيذكر السحاب وهو حامل للماء وتسوقه الرياح إلى الأرض الجرز، فيخرج الله به أنواع النبات المختلفة، وتسيل منه السيول والوديان العظام، ويبين أن نعم الله لا يمكن حصرها، وأن هذه كلها أدلة دامغة على وحدانية الله تعالى.
والهراسي عند بيانه لهذه الدلائل يستعمل علم الكلام، يظهر ذلك من خلال ذكره لبعض العبارات والألفاظ التي يستعملها المتكلمون كحدوث الأجسام والجواهر والسكون والحركة وغير ذلك، مما يؤكد أن الهراسي كان من علماء الكلام، ويستعين به في الرد على مخالفه من المعتزلة وغيرهم، والانتصار لمذهب أهل السنة والجماعة.
ثالثًا: الإيمان بقضاء الله وقدره:
الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان العقيدة الإسلامية، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، فمن كفر به خرج من دين الله تعالى، والهراسي عند بيانه لهذا الموضوع يؤكد على مذهب أهل السنة في تفويض الأمور لله تعالى والرضا بقضاء الله وقدره، فقد قال عند بيانه لقوله تعالى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: ١٥٦] قال: "يعني إقرارهم بالعبودية في تلك الحالة بتفويض الأمور إليه والرضا بقضائه فيما يبتليهم به وأنه لا يقضي إلا بالحق ... وقوله:{وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ} إقرار