للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويعرضون بخصومه من الحنابلة لما يعتقدونه من التشبيه والتجسيم مستخدمين لذلك علم الكلام الذي كان رائجًا في عصر الهراسي.

ولا شك أن الهراسي كان إمامًا في عصره، وكان بينه وبين مخالفيه مناظرات حيث وصف بأنه كان إمامًا نظارًا، قوي البحث، دقيق الفكر، ذكيًا.

ووصفه السبكي بأنه "أحد فحول العلماء ورؤوس الأئمة فقهًا وأصولًا وجدلًا وكان يحفظ الحديث ويناظر فيه).

وقال في (ص ٢٠٥) وتحت عنوان: موقف الهراسي من المسائل العقدية: (سبق أن أشرت أن الإمام الهراسي أشعري المذهب، مناصر لمذهب أهل السنة والجماعة، ظهر موقفه هذا من خلال تعرضه لبعض المسائل العقدية عند تفسيره للآيات التي لها هذه السمة.

ولا شك أن تعرضه لهذه المسائل عكست لنا اتجاهه وميوله الاعتقادية، وأبرزت موقفه من الفرق الإسلامية المختلفة، ودفاعه عن مذهب أهل السنة والجماعة، مع العلم أن تعرضه للمسائل العقدية كان قليلًا.

وسأعرض في هذا المبحث لبعض المسائل العقدية التي ذكرها الهراسي وبرز فيها تأييده لمذهب أهل السنة والجماعة ودفاعه عنهم، واعتراضه على المعتزلة والروافض ونقض آرائهم، وإليك هذه المسائل:

أولًا: إثبات الصفات لله تعالى:

يثبت الهراسي الصفات لله تعالى وأنها متحدة مع الذات، واستحالة المثل لله تعالى، ذكر ذلك عند بيانه لقوله تعالى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: ١٦٣] فقال: "دل على الاتحاد في الذات والصفات، واستحالة المثل، والإتحاد في الوجوه منفرد بالقدم، فانتظم لنفسه بأنه واحد هذه المعاني".

يُلحظ في هذا المثال أن قول الهراسي شبيه بقول المعتزلة القائل بأن الصفات هي الذات، فقد قال أَبو الهذيل العلاف المعتزلي: "إن علم الباري سبحانه هو [الله] وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته "وهذا ليس صوابًا، لأن الصفات لو كانت هي الذات والذات واحدة لكان معناها واحد.

والذي عليه أهل السنة والجماعة هو أنهم "لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ولا أنه ليس غيره؛ لأن إطلاق الإثبات قد يشعر بأن ذلك مباين له، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو، فلا يطلق لفظ الغير إلا مع البيان والتفصيل، فإن أريد به أن هناك ذاتًا مجردة قائمة بنفسها، منفصلة عن الذات الزائدة عليها، فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة، فهذا حق، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها.

ثانيًا: إثبات الوحدانية لله تعالى من خلال أفعاله:

يستدل الهراسي على معرفة الله تعالى ووجوده بدلالة مخلوقاته، ويأتي هذا عن طريق التفكر والتأمل في ملكوت السموات والأرض، والاجتهاد في الفكر والعمل، وقد وضحّ الهراسي