وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة:{هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}.
واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات، وللعلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة، الإيمان والتسليم لما جاء في آيات الصفات وأحاديث الصفات، وأنه يجب علينا الإيمان بظاهرها، ونؤمن بها كما جاءت ونكل علمها إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع الإيمان والاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن سماة الحدوث، وعن الحركة والسكون.
قال الكلبي: هذا من الذي لا يفسر، وقال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عيه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله ورسوله، وكان الزهري، والأوزاعي، ومالك، وابن المبارك وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه يقولون في هذه الآية وأمثالها: اقرؤوها كما جاءت بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، هذا مذهب أهل السنة ومعتقد سلف الأمة وأنشد بعضهم في المعنى:
عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ... ولا ذاته شيء عقيدة صائب
ونؤيس عنها كنه فهم عقولنا ... وتأويلنا فعل اللبيب المغالب
ونركب للتسليم سفنًا فإنها ... للتسليم دين المرء خير المراكب
المذهب الثاني: وهو قول جمهور علماء المتكلمين، وذلك أنه أجمع جميع المتكلمين من العقلاء والمعتبرين من أصحاب النظر على أنه تعالى منزه عن المجيء والذهاب، ويدل على ذلك أن كل ما يصح عنه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون، وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، والله تعالى منزه عن ذلك فيستحيل ذلك في حقه تعالى، فثبت بذلك أن ظاهر الآية ليس مرادًا فلا بد من التأويل على سبيل التفصيل فعلى هذا قيل في معنى الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله الآيات فيكون مجيء الآيات مجيئًا لله تعالى على سبيل التفخيم لشأن الآيات، وقيل: معناه إلا أن يأتيهم أمر الله ووجه هذا التأويل أن الله تعالى فسره في آية أخرى فقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك، فصار هذا الحكم مفسرًا لهذا المجمل في هذه الآية. وقيل معناه: يأتهم الله بما أوعد من الحساب والعقاب فحذف ما يأتي به تهويلًا عليهم، إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ، وقيل: يحتمل أن تكون الفاء بمعنى الباء، لأن بعض الحروف يقوم مقام بعض فيكون المعنى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}، وقيل: معناه (هل ينظرون إلا أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام) فإن قلت لم كان