للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عنه، وثوابه له، وعفوه عنه (١). انظر الرد على القرطبي.

صفة اليد:

قال عند قوله تعالى من سورة المائدة: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.

وأما الكلام في اليد فقد اختلف العلماء في معناه على قولين:

أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وعلماء أهل السنة، وبعض المتكلمين أن يد الله صفة من صفات ذاته، كالسمع، والبصر، والوجه، فيجب علينا الإيمان بها، والتسليم، ونمرها كما جاءت في الكتاب والسنة، بلا كيف ولا تشبيه، ولا تعطيل.

قال الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين".

والقول الثاني: قول جمهور المتكلمين، أهل التأويل فإنهم قالوا اليد تذكر في اللغة على وجوه:

أحدها: الجارحة وهي معلومة.

وثانيها: النعمة، يقال: لفلان عندي يد أشكره عليها.

وثالثها: القدرة: قال الله تعالى: {أُولِي الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ} فسروه بذوي القوى والعقول، ويقال: لا يد لك بهذا الأمر، والمعنى سلب كمال القدرة.

ورابعها: الملك يقال هذه الضيعة في يد فلان، أي في ملكه.

ومنه قوله تعالى: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} أي يملك ذلك، أما الجارحة فمنتفية في صفة الله عز وجل، لأن العقل دل على أن يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص، وعضو مركب من الأجزاء، والأبعاض، تعالى الله عن الجسمية والكيفية والتشبيه علوًا كبيرًا، فامتنع بذلك أن تكون يد الله بمعنى الجارحة، وأما سائر المعاني التي فسرت اليد بها فحاصلة لأن أكثر العلماء من المتكلمين زعموا أن اليد في حق الله عبارة عن القدرة، وعن الملك وعن النعمة، وها هنا إشكالان:

أحدهما: أن اليد إذا فسرت بمعنى القدرة فقدة الله واحدة ونص القرآن ناطق بإثبات اليدين في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي ليس الأمر على ما وصفتموه من البخل بل هو جواد كريم على سبيل الكمال، فإن من أعطى بيديه فقد أعطى على أكمل الوجوه.

والإشكال الثاني: أن اليد إذا فسرت بالنعمة فنص القرآن ناطق بتثنية اليد، ونعم الله غير محصورة، ولا معدودة ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وأجيب عن هذا الإشكال بأن التثنية من حسب الجنس ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها مثل نعمة الدنيا ونعمة الدين ونعمة الظاهرة، ونعمة الباطن ونعمة النفع، فالمراد بالتثنية البالغة في وصف النعمة. أجاب أصحاب القول الأول عن هذا بأن قالوا: إن الله تعالى أخبر آدم أنه خلقه بيديه. ولو كان معنى خلقه بقدرته أو بنعمته أو بملكه لم يكن لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم، لأن جميع خلفه مخلوقين بقدرته، وجميعهم