يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)}.
وسبب نزول هذه الآية أن الزُّبَير بن العوام - رضي الله عنه -، اختصم هو وآخر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج من الحرة.
والشراج: مسيل الماء -كانا يسقيان به النخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: أسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الرجل وقال: قضى رسول الله لابن عمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية يعلم فيها الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرط عليهم في الآية التسليم، وهو الانقياد ظاهرًا، ونفى الحرج، وهو: الانقياد باطنا، وهذا شرط المريد مع الشيخ بعد التحكيم.
فلبس الخرقة يزيل اتهام الشيخ عن باطنه في جميع تصاريفه، ويحذر الاعتراض على الشيوخ، فإنه السم القاتل للمريدين.
وقل أن يكون المريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح، ويذكر المريد في كل ما أشكل عليه من تصاريف الشيخ قصة موسى مع الخضر عليه السلام، كيف كان يصدر من الخضر تصاريف ينكرها موسى، ثم لما كشف له عن معناها بأن موسى وجه الصواب في ذلك.
فهكذا ينبغي للمريد أن يعلم أن كل تصرف أشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيخ فيه بيان وبرهان للصحة، ويد الشيخ في لبس الخرقة تنوب عن يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسليم المريد له تسليم لله ورسوله، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.
ويأخذ الشيخ على المريد عهد الوفاء بشرائط الخرقة، ويعرفه حقوق الخرقة، فالشيخ للمريد صورة يستشف المريد من وراء هذه الصورة المطالبات الإلهية والمراضى النبوية.
ويعتقد المريد أن الشيخ باب فتحه الله تعالى إلى جناب كرمه، منه يدخل، وإليه يرجع وينزل بالشيخ سوانحه ومهامه الدينية والدنيوية ويعتقد أن الشيخ ينزل بالله الكريم ما ينزل المريد به، ويرجع في ذلك إلى الله للمريد كما يرجع المريد إليه.
وللشيخ باب مفتوح من المكالمة، والمحادثة في النوم واليقظة فلا يتصرف الشيخ في المريد بهواه، فهو أمانة الله عنده، ويستغيث إلى الله لحوائج المريد كما يستغيث لحوائج نفسه ومهام دينه ودنياه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}.
بإرسال الرسول يختص بالأنبياء والوحي كذلك، والكلام من وراء حجاب بالإلهام والهواتف والمنام، وغير ذلك للشيوخ والراسخين في العلم.
وأعلم أن للمريدين مع الشيوخ أوان ارتضاع، وأوان فطام، وقد سبق شرح الولادة المعنوية.
فأوان الارتضاع أوان لزوم الصحبة، والشيخ يعلم وقت ذلك، فلا ينبغي للمريد أن يفارق الشيخ إلَّا بإذنه، قال الله تعالى تأديبًا للأمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ