أبي على الدقاق أنَّه قال: الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارص فإنها تورق ولا تثمر، وهو كما قال: ويجوز أنَّها تثمر كالأشجار التي في الأودية والجبال ولكن لا يكون لفاكهتها طعم فاكهة البساتين، والغرص إذا نقل من موضع إلى موضع آخر يكون أحسن حالًا وكثر ثمرة لدخول التصرف فيه وقد اعتبر الشرع وجود التعليم في الكلب المعلم وأحل ما يقتله، بخلاف غير المعلم.
وسمعت كثيرًا من المشايخ يقولون:"من لم ير مفلحًا لا يفلح": ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا العلوم والآداب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روى عن بعض الصحابة: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتَّى الخراءة.
فالمريد الصادق إذا دخل تحت حكم الشيخ، وصحبه، وتأدب بآدابه، يسرى من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسرح يقتبس من سرح، وكلام الشيخ يلقن باطن المريد ويكون مقال الشيخ مستودع نفائس الحال وينتقل الحال من الشيخ إلى المريد بواسطة الصحبة وسماع المقال، ولا يكون هذا إلَّا لمريد حصر نفسه مع الشيخ وانسلخ من إرادة نفسه، وفنى في الشيخ بترك اختيار نفسه.
فبالتأليف الإلهي يصير بين الصاحب والمصحوب امتزاج وارتباط بالنسبة الروحية والطهارة الفطرية لم يزل المريد مع الشيخ كذلك متأدبًا بترك الاختبار، حتَّى يرتقي من ترك الاختبار مع الشيخ إلى المريد الاختبار مع الله تعالى، ويفهم من الله كما كان يفهم من الشيخ، ومبدأ هذا الخير كله الصحبة والملازمة للشيوخ، والخرقة مقدمة ذلك.
ووجه لبس الخرقة من السنة ما أخبرنا الشيخ أَبو زرعة عن أبيه الحافظ أبي الفضل المقدسي، قال: أخبرنا أَبو بكر أحمد بن عليّ بن خلف الأديب النيسابوري قال: أخبرنا الحاكم أَبو عبدِ الله محمَّد بن عبدِ الله الحافظ قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق قال: أخبرنا أَبو مسلم إبراهيم بن عبدِ الله المصري، قال: حدَّثنا أَبو الوليد قال: حدَّثنا إسحاق بن سعيد قال: حدَّثنا أبي قال: حدثتني أم خالد بنت خالدة قالت: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه؟ فسكت القوم، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ائتوني بأم خالد. قالت: فأتي بي، فألبسنيها بيده فقال: أبلى وأخلقي، يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر وأصفر، ويقول: يا أم خالد هذا سناه -والسناه، هو الحسن بلسان الحبشة-.
ولا خفاء أن لبس الخرقة على الهيئة التي تعتمدها الشيوخ في هذا الزمان لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الهيئة والاجتماع لها، والاعتداد بها من استحسان الشيوخ، وأصله من الحديث ما رويناه.
والشاهد لذلك أيضًا التحكيم الذي ذكرناه وأي اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتم وأكد من الاقتداء به في دعاء الخلق إلى الحقِّ.
وقد ذكر الله تعالى في كلامه القديم تحكيم الأمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحكيم المريد شيخه إحياء سنة ذلك التحكيم، قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبَّكَ لَا