السبل، أو تمزقهم الأهواء.
وهي محاولة تستهدف وحدة الكلمة، والدعوة إلى التقارب بين المسلمين عن طريق العلم، وفض المسائل الخلافية بالحكمة والبرهان، وهي ظاهرة تتمشى في كل ما عقده من أبحاث موضوعية حول القرآن، هذا الكتاب الذي جاء صادعًا بالحق والتوحيد في كل تشريعاته وتعاليمه:
وقد ألمع إلى هذه الفكرة الهادفة في الكتاب العالم الأزهري المعروف الشيخ الباقوري بقوله:
"وإني أسأل الله أن ينفع بكم، وأن يجعل لكم جهدًا مذكورًا في جمع الشمل، وإنارة الطريق أمام عامة المسلمين، حتى تظلهم ثقة الأخوة، ويستأنفوا أداء رسالتهم الكبرى في إسعاد أهل الأرض وتحقق قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ}.
وقد أشبع الكتاب هذه الحقيقة، وخاصة في موضوع "صيانة القرآن من التحريف" وبحث: "القرآت والقراء" مستمدًا ذلك من إمضاء الأئمة الهداة من أهل البيت -ع- لهذا القرآن المتداول بين المسلمين. والاستدلال به في أصول الأحكام. وإقرارهم أيضًا لقراءة ما في دفتي هذا القرآن في الفرائض اليومية.
وأما الحديث عن عظمة المؤلف والكتاب على مستوى اللياقة والواقع فأمر يمنعني منه العجز، وتحجبني عنه الوشيجة، ولذلك كان الأمثل أن يوفيه عالم نحرير عرف بالكفاءة العلمية ورجاحة الرأي، ذلك هو العلامة المجاهد داعية الحق الشيخ محمّد جواد مغنية حيث يفصح عن ذلك بقوله:
" .. إنه كالشمس ترسل أشعتها في كل مكان وزمان. إنه أستاذي وأستاذ العلماء في النجف الأشرف، والقطب الذي تدور حوله الحركة العلمية وتدين له "الحوزة" بالشكر والولاء، وعرفان الجميل جزاء الصفرى أياديه ولولا وجوده ووجود القلة من أهل التحقيق والتدقيق لأخذ العهد الذهبي للنجف الأشرف بالأفول -لا سمح الله- وكانت الجامعة النجفية كغيرها لا تعرف سوى الظواهر والقشور، وأعني بالعهد الذهبي العهد الذي عرف الشيخ الأنصاري، والشيخ الخراساني، وحواريهما.
أما الاسم الكبير فالسيد الخوئي، وأما وصفه فالعالم لحمًا ودمًا، عالم لم يقف عند جهة واحدة من جهات العلم والفكر، بل أتقن منها ما أتقن وألم بما ألم، وأحاط في أشرفها وأعظمها، حتى أصبح علمًا من أعلامها الأمثلين، ورائدًا من روادها المقلدين، فقد لبث زمانًا يدنو من السبعين يتعلم ويعلم، ويؤلف؛ ويخرج العلماء ويناقش الجدد منهم والقدماء.
أما أسلوبه في الجدل والنقاش فهو أسلوب سقراط يتجاهل ويتظاهر بتسلم قول الطرف المقابل، ثم يعرض عليه الشكوك والتساؤلات، ويتصنع الاستفادة والاسترشاد، شأن الطالب والتلميذ، حتى إذا أجاب المسكين ببراءة وسذاجة انقض عليه، وانتقل به إلى حقائق تلزم أقواله، ولا يستطيع التخلص منها ويوقعه في التناقض من حيث لا يشعر، ويحمله قهرًا على الاعتراف بالخطأ والجهل.
أما الذين تخرجوا على يده فلا يعلم عددهم إلا