قلت: لذلك فهو ضعيف لا يحتج به. وآفة الإسناد منه فإنه مجمع على ضعفه كما تقدم. والله أعلم. دراسة المتن: وأما المتن فإنه منكر مخالف لما ثبت عن السلف في تفسير الآية، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه (أي المقام المحمود) الشفاعه. وكذا ثبت عن السلف تفسيرهم له بالشفاعة وفي تفسير الطبري: "وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} سئل عنها: قال: "هي الشفاعة". حدثنا علي بن حرب، قال: ثنا مَكي بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن يزيد الأَوْدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي". حدثنا أبو عُتبةِ الحِمصي أحمد بن الفَرَج: قال: ثنا بقية بن الوليد، عن الزُّبيديّ، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُحشرُ النَّاسُ يومَ القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، فَيَكْسوني رَبي حلة خضراءَ، ثمْ يؤْذنَ لي، فأقول ما شاءَ الله أنْ أقولَ، فَذلكَ المَقامُ المَحمُودُ". ثم ذكر الطبري بعد سرد عدة أدلة إضافة إلى ما ذكرنا عنه: "وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه التابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإِسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك على أوجه ثلاثة: فقالت فرقة منهم: الله عَزَّ وَجَلَّ بائن من خلقه كان قبل خلقه الأشياء، ثم خلق الأشياء فلم يماسها، وهو كما لم يزل، غير أن الأشياء التي خلقها إذ لم يكن هو لها مماسًا، وجب أن يكون مباينًا، إذ لا فعال للأشياء إلا وهو مماس للأجسام أو مباين لها. قالوا: فهذا كان ذلك كذلك، وكان الله عَزَّ وَجَلَّ فاعل الأشياء، ولم يجز في قولهم: إنه يوصف بأنه مماس للأشياء، وجب بزعمهم أنه لها مباين، فعلى مذهب هؤلاء سواء أقعد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على عرشه، أو على الأرض إذ كان من قولهم إن بيونته على عرشه، وبيونته من أرضه بمعنى واحد في أنه بائن منهما كليهما، غير مماس لواحد منهما. وقالت فرقة أخرى: كان الله تعالى ذكره قبل خلقه الأشياء، لا شيء يماسه، ولا شيء يباينه، ثم خلق الأشياء فأقامها بقدرته، وهو كما لم يزل قبل الأشياء خلقه لا شيء يماسه ولا شيء يباينه، فعلى قول هؤلاء أيضًا سراء أقعد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على عرشه، أو على أرضه، إذ كان سواء على قولهم عرشه وأرضه في أنه لا مماس ولا مباين لهذا، كما أنه لا مماس ولا مباين لهذه. وقالت فرقة أخرى: كان الله عز ذكره قبل خلقه الأشياء لا شيء يماسه، ولا شيء يباينه، ثم أحدث الأشياء وخلقها، فخلق لنفسه عرشًا استوى عليه جالسًا، وصار له مماسًا، كما أنه قد كان قبل خلقه الأشياء لا شيء يرزقه رزقًا، ولا شيء يحرمه ذلك، ثم خلق الأشياء فرزق هذا وحرم هذا، وأعطى هذا، ومنع هذا. ثم قال: فإن قال قائل: فإنا لا ننكر إقعاد الله محمدًا على عرشه، وإنما ننكر إقعاده. حدثني عباس بن عبد العظيم، قال: ثنا يحيى بن كثير، عن الجريريّ، عن سيف السدوسي، عن عبد الله بن سلام، قال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب تبارك وتعالى، وإنما ينكر إقعاده إياه معه. قيل: أفجائز عندك أن يقعده عليه لا معه. فإن أجاز ذلك صار إلى الإقرار بأنه إما معه، أو إلى أنه يقعده، والله للعرش مباين، أو لا مماس ولا مباين، وبأي ذلك قال كان منه دخولًا في بعض ما كان ينكره وإن قال ذلك غير جائز كان منه خروجًا من قول جميع الفرق التي حكينا قولهم، وذلك فراق لقول جميع من ينتحل الإِسلام، إذ كان لا قول في ذلك إلا الأقوال الثلاثة التي حكيناها، وغير محال في قول منها ما قال مجاهد في ذلك" أ. هـ. وفي مجموع الفتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية ما نصه: " .. فقد حدّث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلسه ربه على العرش معه .. ". قلت: ثم يسرد شيخ الإِسلام رواية الطبري في معنى آية الإسراء ويذكر ما قاله منها. ويبدوا أن شيخ الإِسلام =