رجوعهم إلى مذهب أهل الأثر بل تمني البعض أن يكون على دين العجائز.
٢٣ - السلف لم يذموا جنس الكلام، ولا ذموا الاستدلال والنظر، والجدل الذي أمر الله به ورسوله، بل ولا ذموا كلامًا هو حق، بل ذموا الكلام المخالف للكتاب والسنة والعقل، فالجدال قد يكون في ابتداء الدعوة، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجاهد الكفار بالقرآن وقد يكون لبيان الحق، وشفاء القلوب من الشُبه، مع من يطلب الاستهداء والبيان، وقد يكون الجدال مع من لا يجوز قتالهم من أهل الذمة والهدنة والأمان، كما فعل الإمام أحمد بن حنبل (٢٤١ هـ) في الرد على الزنادقة والجهمية. ومخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ليس بمكروه، إذا احتج إليه وكانت المعاني صحيحة.
وحينئذ ينقسم الجدل إلى قسمين جائز ومكروه.
أما المكروه فكما يلي:
أ- ما يقصد به صاحبه مدافعة الحق بإثارة الشكوك، والشبه الموهمة بالطرق المبتدعة.
ب- اللجاج الذي يعرف صاحبه أنه غير مفيد، وقد يكون مثيرًا للشر.
ج- عدم الاقتصار في الانتصار للحق على أساليب القرآن الكريم، والأنبياء عيهم السلام -والسلف الصالح- رضي الله عنهم أجمعين.
وأما الجائز فكما يلي أيضًا:
أ- أن تكون المجادلة بقصد إيضاح الحق، أو طمعًا في اتباع الخصم.
ب- أن يكون على نمط الجدال الذي أمر الله تعالى به رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي بالطريق التي هي أحسن طريق المجادلة، كما قال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
٢٤ - إن ابن الوزير قد بيض وجوه المحدثين على بياضها، فازدادت نورًا على نورها، وأماط عنهم كل ما وصمهم به خصمه المعترض من القدح الهادف إلى القدح في السنة النبوية، كما زاد وجوه المعتزلة المعطلة والمؤولة سوادًا على سوادها، فشاهت الوجوه، كما أن نتيجة هذه الخصومات والمعارك الكلامية أضافت إلى التراث الإسلامي ثروة لا يستهان بها، ألا وهو كتاب (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم)، ومختصره (الروض الباسم) الذي لم تعرف البلاد اليمنية مثله، ولم تقدره حق قدره، لأنه مفخرة من مفاخر اليمن وأهله، بل مفخرة من مفاخر علماء الإسلام والمسلمين" أ. هـ.
وفاته: سنة (٨٤٠ هـ) أربعين وثمانمائة.
من مصنفاته: كتاب "العواصم من القواصم" يشمل على تحقيق مذهب السلف وأهل السنة والرد على المبتدعة في الذب عن الأئمة الأربعة، و"البرهان القاطع في معرفة الصانع" وغير ذلك.