للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فقتلوا {وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} أي أعلمهم به فلا يؤبه بمكرهم دون مكره.

قال البيضاوي: وإسناد أمثال هذا إنما يحصل للمجاوزة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إبهام الذم. أ. هـ.

واعترض عليه بأنه لا يتعين في مثل ذلك المشاكلة بل يجوز أن يكون ذلك استعارة لأن إطلاق المكر على إخفاء الله ما أوعده لمن استوجبه أن جعل باعتبار أن صورته تشبه صورة المكر فاستعارة أو باعتبار الوقوع في صحبة مكر العبد فمشاكلة وعلى هذا لا يحتاج كما قال الطيبي إلى وقوعه في صحبة مكر العبد قال: ومنه قول علي - رضي الله عنه - من وسع الله تعالى عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله (١).

وقال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} تقرير لقوله تعالى أفأمن أهل القرى، ومكر الله استعارة لاستدراج العبد بالنعم في الدنيا وأخذه من حيث لا يحتسب (٢).

٥ - صفة الحياء:

قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} الآية والحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم، وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها وبين الخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقًا فإذا وصف به الباري سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث "إن الله يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه" "إن الله حي كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا. فالمراد به الترك كما قدرته اللازم للانقباض كما أن المراد من رحمته وغضبه والمعروف والمكروه اللازمين لمعنييهما وتحتمل الآية خاصة أن يكون مجيء الحياء فيها للمشاكلة وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ولو تقديرًا كما هنا وهو قول الكفرة أما يستحيي رب محمّد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت ولما كان التمثيل يصار إليه لكشف المعنى الممثل به ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم والعقل ويصالحه عليه فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم لأن من طبعه ميل الحس وحب المحاكاة ... الخ (٣).

٦ - صفة الاستواء:

قال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي استوى أمره وقال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف له سبحانه وتعالى استواء على العرش علي الوجه الذي عناه منزه عن الاستقرار والتمكن وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فأطرق رأسه مليًا وعلاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك إلا ضالًا ثم أمر به فأخرج وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي،


(١) تفسير الخطيب الشربيني (١/ ٤٦٨).
(٢) تفسير الخطيب الشربيني (١/ ٤١٠).
(٣) تفسير الخطيب الشربيني (١/ ٣٢).